رسالة إلى جدتي

ت + ت - الحجم الطبيعي

اليوم جلست أفكر، لمن أود أن أكتب رسالة، بعد أن ولى زمن الرسائل والتراسل؟، هل أكتبها لكاتب، أم لصاحب مكتبة، لأبي، لإخوتي، لصديقة بعيدة اشتقت إليها؟ لجارتي التي لم أرها منذ سنتين، أم لنفسي ربما.

وجدت أنني لا بد أن أكتبها لكتاب شكّل علامة حقيقية في حياتي، على مستوى العلاقة به، وعلى مستوى المعنى والظروف التي قرأته فيها، وكذلك لجدتي التي اشترت لي ذلك الكتاب، فلولاه، ولولا ذلك اليوم الذي ذهبت فيه بصحبتها للمكتبة، لكانت أمواج حياتي اليوم تتدحرج زبداً على شواطئ أخرى ربما، ولما كانت كما هي اليوم، جزءاً من محيط شاسع مترامٍ بلا حدود.

كنت في الصف الخامس الابتدائي، يوم امتلكت أول كتاب في حياتي، قبله قرأت قصصاً صغيرة من مكتبة الفصل، كنت سريعاً ما أعيدها، لأتمكن من أخذ غيرها، بدأت علاقتي بذلك الكتاب بغيرة طفولية، حين لمحته بين يدي زميلة لي في الفصل، رفضت أن تعيرني إيّاه لأقرأه، وكطفلة في العاشرة من عمري، لم أفكر في أي شيء آخر، سوى أن أمتلك كتاباً مثله، وقد كان.

بعد محاولات إلحاح واستعطاف مستمرة، مارستها على جدتي، التي كنت أعيش عندها في تلك السنوات، أخذتني جدتي من يدي، وركبنا معاً سيارة أجرة، وذهبنا لمكتبة دار الحكمة، بجوار البنك البريطاني في ميدان جمال عبد الناصر بدبي (ميدان بني ياس حالياً)، وهناك كاد يُغمى عليّ حين شاهدت أرفف الكتب تصل إلى السقف، وكان الموظف يتسلق سلّماً خشبياً، ليصل إلى الرفوف العليا.

كانت جدتي شابة صغيرة (شيء غريب أن تكون الجدة صغيرة)، وقد فاصلت البائع طويلاً في السعر، وقد حصلت عليه أخيراً، واشترته لي بالسعر الذي حددته، خرجت يومها من المكتبة، وأنا أسعد طفلة على وجه الأرض، لقد امتلكت كتاباً لأول مرة في حياتي، كان صغير الحجم، بغلاف سميك، ومصقولاً، ويحمل صورة السيدة ماري كوري، مكتشفة الراديوم، وحائزة نوبل مرتين، في الفيزياء والكيمياء.

Email