تكريم طه حسين

ت + ت - الحجم الطبيعي

«إن للأفكار أجنحة تطير بها هنا وهناك ولا تلبث أن تحط رحالها حيث ينبغي لها أن تكون»، تنسب هذه العبارة للطبيب الفيلسوف الأندلسي (ابن رشد)، وقد قالها بينما كانت كتبه المكومة أمامه تلتهمها النيران، وهو صامت ينظر إلى جهد سنينه وخلاصة عمره وأفكاره وعلمه، وبجانبه وقف أحد تلاميذه يبكي الخسارة الفادحة التي يتكبدها العلم، وستدفع البشرية ثمنها أضعافاً مضاعفة، بينما الذين اتخذوا قرار الحرق يرتكبونه ببساطة ورعونة وبكل تلك الحماقة التي تحدث في تلك اللحظة الفارقة من عمر الزمن، والتي ستدرك نتائجها وخطورتها بعد ذلك بسنوات طويلة، كما حدث قبلاً وكما سيتكرر ذلك مراراً.

حدث ذلك حينما قرر أهل أثينا إعدام الفيلسوف سقراط، بأن جعلوه يتجرع السم عقاباً له على فلسفته التي أفسدت عقول الشباب حسب زعمهم، وكما حدث مع العالمة الفيلسوفة الإسكندرانية هيباتيا، وكما حدث مع العالم الفلكي جاليليو، لأنه عارض مقولات الكنيسة حول كروية الأرض ومركزية العالم، ومع العالم الفقيه ابن حنبل حين سجن في فتنة خلق القرآن.

لم يتوقف أحد يوماً ليراجع هذا السلوك الوحشي الذي يرتكب على الدوام في حق العلم والعلماء، حرق الكتب ظل هو العلامة الفارقة لمجتمعات التخلف، وهو الجين الثابت في تلك المجتمعات المتجمدة عند درجة صفر الحضارة، التي تستثير شهيتها دوماً رائحة صفحات الكتب الممزقة والمحروقة، ودماء العلماء والأدباء المتنورين، الذين يأبون إلا أن يتجاوزوا السائد إلى غير السائد، وهو ما يعتبر منبوذاً وغير مطلوب، بل يشكل بداية النهاية لجماعات وتنظيمات وسياسات كثيرة.

نجيب محفوظ لقي الكثير، وطه حسين أحد الرموز التي نالت نصيبها من الكراهية والخصومة كذلك، لكن ها هو يكرم بأن يتم اختياره شخصية العام وشخصية معرض أبوظبي للكتاب للعام 2022، فعلى الرغم من كل ما يفعله أعداء الحرية فإن الأفكار بمجرد أن تكتب وتخرج للنور يصبح من المستحيل حرقها أو إلغاؤها، تكون قد حجزت مكانها وحيزها إلى غير رجعة.

Email