الأماكن الضيقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أشعر بالاختناق الحقيقي، كلما وجدتني مضطرة أن أكون في مكان ضيق أو مغلق، أشعر بأن أنفاسي تتلاحق، نبض قلبي يتسارع، وأن المكان سيطبق علي، وكلما مضى الوقت أكثر في هذه الأمكنة، زادت احتمالات ردّات فعلي غير المأمونة، كأن أصرخ أو أبكي أو أترك المكان.

وأخرج لأحظى ببعض الهواء، وعلمياً فإن هذه الحالة ليست طبيعية أبداً، فالهواء لا ينعدم في الأماكن الضيقة، وأنت لن تموت حتماً إذا أغلق عليك باب المصعد أو الطائرة، أو أُدخلت في جهاز الرنين المغناطيسي! المشكلة في دماغ المصاب بهذا النوع من الرهاب أو الخوف، الدماغ الذي يفرز المواد والهرمونات التي تقود صاحبها للقلق والهلع، وبالنتيجة إن لم يغادر فسوف يختنق وقد يموت.

اضطراب القلق هذا هو ما يجعلنا نخشى الأماكن والمواقف التي قد تسبب لنا ذاك الهلع القاتل ويجعلنا نشعر بأننا محاصرون، أو عديمو الحيلة ما يجعل أذهاننا تعايش الحالة واقعياً، ونصبح تحت السيطرة الكاملة لعلامات الاختناق الحقيقية.

مررت بهذه المواقف أكثر من مرة، ولأن الموظفين والممرضين وأحياناً الأطباء غير مؤهلين لمواجهة حالات كهذه، فإنهم ينظرون للمريض برهاب الأماكن المغلقة على أنه شخص دعي أو يتظاهر أو يستجلب الاهتمام، والحقيقة أن الأمر أخطر من ذلك.

إن رهاباً آخر يدعى رهاب الأماكن المرتفعة قد يدفع بصاحبه لأن يقذف نفسه من أي ارتفاع ليتخلص من شعور الخوف القاتل أو الحصار الذي لا يطاق، وعليه فأحد أهم الاختبارات والفحوصات التي علينا إجراؤها هي ما يتعلق بالرهاب، لقد أصبح هذا القلق منتشراً بين الناس وبشكل يدعو للدراسة!

بمناسبة الأماكن المظلمة والمغلقة، فإنني كلما فكرت في الطفل المغربي ريان، وحالته التي لا يمكن تخيل كارثيتها، أشعر فعلاً وبلا أي مبالغة بأنني أغرق في بحر من الظلام وأن هذا الظلام والحيز الضيق كقبر يصير تراباً وماء كثيفاً ابتلعه ويسد كل المنافذ أمامي للحصول على نسمة هواء.. فاللهم عجل بفرجه.

 

Email