مفاتيح المدن

ت + ت - الحجم الطبيعي

تدخل البشرية عامها الثالث بصحبة وباء لم تعرف مثيلاً له، إن في شراسته وتمدده، أو على مستوى المآلات التي وصلت لها حالة الفرد والمجتمعات بسببه من الركود والخسائر والتباعد والضيق، ومع ذلك يبقى الإنسان سيد الحياة وأقوى من كل التحديات والوحوش التي تعترضه في طريقه الطويل والصعب المنذور له منذ خلق، بأن يملأ هذه الأرض حياة وحركة وأن يؤثثها بالعمل والإبداع وأن يديمها بالتواصل والتقارب.

ولذلك فليس عجيباً أن تجعل أوروبا من الكشوفات الجغرافية وتطوير صناعة السفن العابرة للمحيطات، واكتشاف العالم الجديد، بداية لعصر النهضة وكسر حواجز الخوف والانغماس في حركة التجريب والاكتشاف، وما أن أطل القرن الثامن عشر بأنواره وتنويره وعقله الناقد ومنطقه العلمي، إلا وكان الفرد والمجتمع مستعدين ومتطلعين لجني الثمار.

ليس عجيباً إذن أن يكون السفر والتنقل هو أول ما افتقدناه في زمن العزلة التي فرضها الوباء حين أغلق بوابات ومنافذ الدول والعواصم، وأطفأ أنوار الكوكب دافعاً بالجميع نحو زاوية عقاب مظلمة كأقصى تجليات العقاب، ما جعلنا نعود بالذاكرة لتلك اللحظات البشعة حين كنا نعاقب ونحن صغار في زوايا الفصول أو البيوت، فلا نلتفت إلى الخلف ولا نتحدث إلى أحد ولا يحدثنا أحد، وكأننا اكتشفنا للمرة الأولى بشاعة العزلة القسرية كعقاب جماعي!

وعندما نقول بأن للمدن مفاتيح، علينا أن نبحث عنها ونعرفها ونتقن التعامل معها بدقة حين نحزم أمتعتنا ونسافر لمدن بعينها للمرة الأولى، فإننا نستلهم هذا كله، فهل تستطيع أن تسافر دون طائرة أو سفينة أو قطار؟ تلك مفاتيح توصلك إلى وجهتك، وهل يمكن أن تحدث صديقاً في دولة أخرى دون أن تدير أرقاماً ثابتة هي تلك الأرقام المفتاحية لكل بلد؟ تلك المفاتيح توصلك أيضاً إلى وجهتك، وحين تبحث عن معالمها ومتاحفها وشواهدها وآثارها وأجمل ما فيها قبل أن تسافر فإن تلك المعرفة مفاتيح ضرورية ستجعل من سفرك متعة لا تنسى!

Email