وكأننا في عام 1958!

ت + ت - الحجم الطبيعي

«... أن تؤلف كتاباً، أن يقتنيه غريب، في مدينة غريبة، فيقرأه ليلاً، ليختلج قلبه لسطر فيه يشبه حياته، ذلك هو مجد الكتابة»، هذه العبارة بقدر ما تلخص معنى وجوهر الكتابة، وتجيب عن السؤال الذي لم يبقَ كاتب على وجه الأرض لم يوجه له أو يوجهه هو لنفسه: لماذا أكتب؟ فإنها في الوقت نفسه تقول مخاتلة أو تشرح في غفلة منا تلك المعاناة والمعركة المحتدمة التي يخوضها الكاتب طيلة حياته.

المعركة التي تحيله إنساناً وكاتباً حقيقياً ما يمكنه من أن يلمس قلوب قرائه، وليصمد في كل تلك الليالي التي تختلج فيها قلوب قرائه فرحاً ومحبة واستئناساً بما يكتبه لهم، بينما هو يجر أيامه في إثر لياليه وحيداً أو منفياً أو مقصياً، أو مغضوباً عليه، لأن الإطار الذي صنع له لم يكن على مقاسه أو لم يصلح لذائقته الإنسانية!

عندما كتب الشاعر الروسي باسترناك روايته الشهيرة دكتور جيفاغو، التي تحولت لفيلم سينمائي مثله النجم عمر الشريف، رفض كل الناشرين في الاتحاد السوفييتي أن ينشروا روايته، صدوا عنه وأغلقوا مكاتبهم دونه، فلم يجد طريقاً سوى تهريب الرواية لإيطاليا، وهناك في بلاد الطليان نشرت واشتهرت وتألقت، بل واختارتها لجنة نوبل لتمنحها جائزتها عام 1958!

كانت رواية وحيدة لمؤلفها باسترناك، وكانت نوبل تريد أن تلفت انتباه العالم لتسلط النظام الشمولي في الاتحاد السوفييتي، لكن هذا النظام منع باسترناك من السفر واستلام الجائزة، فاعتذر عنها، وبعد عام توفي الشاعر، الذي جاهر كتابه بما لم تستطع الملايين أن تجاهر به، بينما حلقت الرواية بأجنحة من أفكار وكلمات وصارت ملء الدنيا، ولم تنشر في بلادها إلا بعد مضي ثلاثين عاماً!

حتى اليوم، تتكرر مأساة رواية دكتور جيفاغو، ومأساة بوريس باسترناك في الكثير من دول العالم، وكأن الإنسانية لم تتزحزح خطوة للأمام منذ عام 1958!

Email