الواقع وما خلف الجدار!

ت + ت - الحجم الطبيعي

بين الواقع الموجود وما نتمناه أن يكون واقعاً، ليس خطاً رفيعاً كما يقول البعض، كتلك العبارة المستهلكة إن بين الحقيقة والخيال خيطاً رفيعاً، في الحقيقة هذا الحكم أو النتيجة ليست صحيحة بل ومضللة، فبين الواقع المحيط بنا في كل مكان وبين ما نريده ونحلم به أسوار وحوائط ومعوقات، تصبح معها رؤية الحقيقة صعبة بل ومستحيلة وأحياناً محل استنكار فما بالنا بالاعتراف بها، أو الرغبة في الوصول إليها؟

فإذا قلت إن هذا الأمر من باب الخطأ أو الخلل أو فساد الذائقة والذمة، وجدت ألف لسان يصرخ فيك وبغضب كمن يدافعون عن وجودهم وحياتهم: بأنه ليس خطأ، وأن هذا هو السائد والموجود والمتداول وما يمارسه الناس وما اعتادوا عليه، ووو حتى تصل معهم إلى الخلاصة أو النتيجة الخاتمة، التي لا يترددون في إبلاغك بها وهي أنك شخص تعيش خارج الزمن أو خلف الأسوار، فأنت في الحقيقة شخص غير طبيعي وليس ما تراه أو ما هو موجود!

في المسلسل الإسباني الحاجز، تجتاح إسبانيا حرب عالمية ثالثة، وبعدها تدخل البلاد في أزمات وكوارث وأوبئة، وتترنح مدينة مدريد تحت حال لا تصحو منه إلا وهي مقسمة إلى نطاقين وبينهما حاجز لا يجوز لأحد عبوره، أو النظر إلى ما وراء الجدار أو الذهاب للجهة الأخرى التي يعيش فيها المرفهون والسياسيون والأثرياء، وكل من يخالف التعليمات الصحية أو الأحكام العرفية المطبقة من سكان ما وراء الحاجز يساق إلى الحاجز الأسمنتي ليتلقى رصاصة تفجر رأسه ليتناثر دمه على جوانب الجدار!

الواقع الذي كانوا يعيشونه بائس، ولا إنساني، قوات الأمن التي يفترض بها حماية الناس كانت تغتالهم بدم بارد، الأطباء يتاجرون بدماء الأطفال، السياسيون يكذبون كما يتنفسون، بينما الناس تجتهد لتغير واقعها، متطلعة لغد مختلف تماماً ولكن ما بين الواقع وما يحلمون به ليس خيطاً رفيعاً، بل أكبر وأخطر، ما بينهما مسألة حياة أو موت، حتى وإن أقنعوهم بعكس ذلك!

 

Email