النقد في مواجهة الحساسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

ذهنيات وأحاسيس معظم الناس في مجتمعاتنا العربية، بحاجة لتدريبات على الصلابة، لتمارين مواجهة واحتمال، لأننا شديدو الهشاشة، ننكسر سريعاً كزجاج رقيق، نبكي سريعاً، ونغضب كذلك إذا تعرضنا للانتقاد، نندفع في الحب كما في الإعجاب، ونبالغ في القرب وبذل العطايا والمشاعر، لا نعترف بالحواجز ولا بالمسافات، مع أننا أكثر ما ننشغل ببنائه وإعلائه وتكريسه طيلة الوقت، هي الحواجز والأسوار، إلا أن هذه الحواجز قد طالت عقولنا، وحجزتها عن الرؤية الصحيحة، وتفنيد ما تراه كما يجب!

ولأننا لا نحتكم للعقل في إصدار أحكامنا على الأشياء، فنحن، بالتالي، ميالون للمبالغة، والحكم بعاطفية واضحة، دون أية مساءلة أو تفكيك أو تشكيك! نعم، فعندما تم إرساء مبادئ الشك الفلسفي في أوروبا، الذي من تقاليده مساءلة كل الأفكار المسبقة والأسطورية، وصولاً للنصوص الحالية، عندها، استطاع الناس أن يواجهوا كل مخاوفهم وحساسيتهم وخرافاتهم بعقلية ناقدة، وبذهن يفكر ويفند، ويسأل ويبحث، ومن ثم يحكم بحيادية تامة على الأمور، بهذا المنهج، استطاعت أوروبا إرساء قواعد التفكير النقدي.

إن أكثر ما نحتاج إليه اليوم، هو أن نعيد الاعتبار إلى مناهج الفلسفة، وأن نربي العقل الناقد لدى أبنائنا، العقل الذي لا ينساق لأحكام جاهزة أو متوارثة، العقل الذي يرفض ثقافة التبجيل، وتراث المدائح، والقريض الذي كرس فينا هذه الحساسية المزعجة والمعطلة، وذلك لمجرد خلاف عابر على وجهة نظر عابرة، ثم نذهب لنكرر كالببغاوات مقولة (اختلاف الآراء لا يفسد للود قضية)، مع علمنا أن الود هو ما يفسد عند الاختلاف، لأننا لم نخضع لتدريبات ضرورية، لرفع كفاءة صلابتنا النفسية في مواجهة النقد والاختلاف!

لذلك، أهملت مناهج الفلسفة، واختفى النقد، أو كاد، في المجتمعات العربية، وانكفأ النقاد، فما عادوا يجرؤون على نقد وتفكيك الأعمال الأدبية والفنية، والنصوص والأفكار التي تنتشر هذه الأيام، تجنباً للحساسيات والخلافات والهجوم والنبذ والإقصاء. إن هذا التراجع، واحد من مؤشرات التخلف الخطيرة!

Email