غواية الكتب!

ت + ت - الحجم الطبيعي

في معرض الكتاب الأخير، كنت أقف مع صاحبة دار النشر نتبادل حديثاً حول آخر إصدارات دارها، وإذا بمراهق صغير يدخل ليقف متسمّراً أمام كتاب حول تاريخ كأس العالم، لفت انتباهي لون الغلاف الفاقع، والابتسامة التي كست وجه الصبي، طلبت الكتاب من السيدة ودفعته له، قلت له: هل ستقرأه؟ أجاب بلهفة: طبعاً طبعاً، لكن بكم؟ قلت له: خذه هدية مني، أخذه وركض فرحاً ناسياً أن يقول شكراً، لكنني فرحت، فقلتها له نيابة عنه!

وفي معرض سابق، وقف صغير أمام جناح يعرض كتاباً عنوانه «التاريخ الشخصي لهتلر»، تناوله، قلّبه طويلاً وتلفت يبحث عن البائع، وحين لم يجده سأل شخصاً يقف في الجناح المجاور: بكم هذا الكتاب؟ أثار فضولي فناديته، بدا خائفاً فاقتربت منه مبتسمة، وسألته: لماذا تريد شراء هذا الكتاب تحديداً؟ قال دون تفكير: أحسست أنه قصة رعب! سألته وقد راق لي الحوار مع عقل طفل حول كتاب لا يقرأه الكبار: كيف عرفت؟ قال وجه هذا الرجل يشبه الذين يظهرون في أفلام الرعب!

وكمن أراد التخلص من ورطة الحوار، وضع الكتاب سريعاً وركض إلى حيث يقف أصحابه الصغار، وهذه ثانية!

في جناح متخصص بإصدار الكتب المتنوعة، جلست سيدة كبيرة في السن تبيع الكتب ومنهمكة في كتابة شيء ما، دخل ثلاثة أطفال لا يتجاوزون العاشرة، قلبوا الكتب، تصفحوا قصص الأطفال، ثم حمل ثلاثتهم كتاباً وصاروا يتهامسون معاً، كنت أرقب سلوكهم باهتمام، اقتربت لأسمع حديثهم فلم أنجح في سماع شيء، أشارت لهم المرأة بكتب أخرى، أصرَّ ثلاثتهم على ذلك الكتاب، واتجهوا للبائعة، دار بينها وبينهم حوار ما، ثم أخرجوا النقود ودفعوها إليها.

صدمت بعنوان الكتاب «محنة الإنسان بين الفلسفة والعلم والدين»، وتساءلت عما أثار الصغار فيه؟! لم أتمكن من كبح فضولي فناديت أحدهم وسألته: لماذا هذا بالذات؟ فأجابني: لقد اشتريته لأمي، وانطلقوا سريعاً يجرون بمنتهى الطفولة وفي حوزتهم كتاب قد يقرأه أحدهم ذات يوم!

Email