الخلود.. الأمنية المستحيلة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الجزء الثاني من ملحمة الملك السومري جلجامش، يموت صديق الملك، فيدفعه الأسى إلى القيام برحلة طويلة محفوفة بالمخاطر لاكتشاف سرّ الحياة الأبدية، وبالتالي تحقيق الخلود لكنه في النهاية يكتشف أن الحياة التي سعى في إِثرها لن ينالها أبداً، بعد أن التهمت الحية زهرة الخلود بعد رحلة عناء لا قبل لإنسان بتحملها، عندها أدرك جلجامش أن الله عندما خلق البشر، جعل الموت من نصيبهم، والخلود من نصيبه هو وحده!

ومنذ ذلك الوقت والإنسان يسعى لتحقيق الخلود دون كلل، وإن منتجات الحضارة المختلفة من فن وأدب وسينما وعلوم واكتشافات وتكنولوجيا تزخر بإبداعات ونصوص وإشارات تدل بوضوح على أن الإنسان لم يقتنع بما توصل إليه جلجامش، عبر الشهرة، واكتشاف الفضاء، ومحاكاة الزمن وعمليات الاستنساخ والتجميل و…

لقد ناقشت السينما هذه المسألة كثيراً، ولعل آخرها كان في العام 2015 في فيلم (عمر أدالين) الذي قامت ببطولته بليك ليفلي وهاريسون فورد، حيث يمسك صناع الفيلم بخيوط الأسطورة، عبر حكاية أدالين بومان الفتاة ذات الـ 29 والتي تتعرض لحادث سيارة مميت، تتعرض أثناءه لشحنة برق فائقة تؤثر في عمل وظائفها الجسدية، فتبقى في عمر الشباب إلى الأبد!

وهنا تبدأ مأساة أدالين، وليست سعادتها كما قد نظن، إنها ترى أصدقاءها يموتون، وابنتها تهرم أمام عينيها، بينما يسيطر الخوف على حياتها عندما تتعرض للمطاردة والتشكيك وأسئلة الجميع، يصيبها كل ذلك بحالة نفسية سيئة، وتعاني من الاكتئاب وتفضّل الانعزال، خوفاً من أن يكتشف أمرها فلا يصدقها أحد، وتفقد الثقة في الجميع والأهم أنها تهجر كل من يتعلق بها أو يفكر في الارتباط بها، خوفاً من فقدانهم!

لا يحتمل الإنسان إلا ما خلق له وما يتناسب مع قدراته، أما أكثر من ذلك فأمر ليس بإمكان البشر احتماله حتى وإن حلموا به وسعوا إليه، فالإنسان يسعى لحتفه أحياناً دون أن يدري، ولقد عاش زهير بن أبي سلمى عمراً طويلاً قال في آخره: ومن يعش ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم!

Email