خيارات..

ت + ت - الحجم الطبيعي

الحياة في صيرورتها وسطوتها المعتادة، لا شيء مهما كان حجمه وقوته يستطيع إيقافها أو حرفها عن هدفها الأبدي، الحياة باعتبارها زمناً متدفقاً كنهر مندفع للأمام، الحياة بمعناها الفيزيائي المجرد، ليل ونهار وتجدد فصول لا يتوقف، إنها غير معنية بشيء أو بأحد، لقد ظلت هكذا تتدفق عبر ملايين السنين:

سواء في أوقات السلم القليلة أو أثناء الحروب التي لا تتوقف، في الكوارث، وفي أيام المجاعات والموت الجماعي، والإحباطات الكبرى التي لفت البشرية، لا تلتفت الحياة لحزن أحد ولا لغضبه أو خساراته، فهذا كله ليس سوى تفصيل صغير لتستمر الحياة لا أكثر!

لا يمكن لأحد احتمال الحياة وقبول قسوتها وظلمها الذي يفجر غضبنا والنظر إليها كشيء يستحق أن نحارب لأجله، لولا وجود بعض الأساسيات والخيارات والأشياء اللطيفة والرحيمة التي تخفف وطأتها أولاً، وتجعلها فضاء يمكن تقبل فكرة أو فلسفة استمراريته التي لا نفهمها، بحيث ننظر لتلك الأساسيات باعتبارها الدفاعات الموضوعية التي تحمينا من مآلات السقوط في اليأس أو التسليم بفكرة العبث واللاجدوى وسائر الأفكار السوداوية الأخرى.

فما هي تلك الخيارات أو النوافذ البيضاء التي يشرعها أحدنا لتكون الحياة فضاء جديراً ومستحقاً للبقاء بلا يأس أو تذمر؟ ليس هناك إجابة جاهزة، ولا خيارات مساعدة حتى، كما أنه ليس من إجابة نموذجية تناسب الجميع، فعندما نندفع في نهر الحياة الذاهب باتجاهه القدري علينا أن نصنع أدواتنا ودفاعاتنا وحتى ألعابنا المسلية لأننا سنحتاجها بلا شك!

لكل منا أدواته وخياراته الخاصة التي تعنيه وتقويه عندما تصبح الحياة عبئاً ثقيلاً لا يطاق: الإيمان، الأمهات، الأصدقاء، الكتب، الفلاسفة، الناس الطيبون، الحيوانات الصديقة، الموسيقى، الأسفار، المتاحف، التاريخ، الأمل، المدن القديمة، رائحة الخبز في الفجر وخوف الطغاة من الأغنيات..

وغيرها مما لا شك عندي أنها كانت ببال محمود درويش وهو يقول: على هذه الأرض ما يستحق الحياة!.

Email