أبواب الحياة والتاريخ

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد أن عبرت قاعات ودهاليز وممرات ذلك البيت الأثري الذي يعود لحقبة حكم المماليك في مصر، سألت المرشد الذي كان يصحبنا في جولة تعريفية في «بيت السحيمي» التاريخي في شارع المعز بالقاهرة القديمة عن أبواب المنزل، فقد بدت لي غير متسقة مع خشب المشربيات الصلب، أجابني المرشد بأنه يعتقد أنها لا تنتمي جميعها لتلك الفترة لأسباب تعود للصيانة، أما المشربيات والواجهات الخشبية والعوازل التي تعزل الغرف عن عيون المارة في الطريق العام، وتضمن تدفق الهواء البارد عبر النقوش المشغولة بعناية فائقة، فهي أصلية لم تمس، تعود لخشب العزيزي، وكان ذلك واضحاً تماماً.

لاحقاً دخلت مسجد السلطان قلاوون، فلم أستطع أن أتفادى باب المدخل الخشبي الضخم، وقفت أتأمله حد الغرق في تفاصيله، لونه، نقوشه، العطب الذي بدا واضحاً في بعض أطرافه، وتذكرت أنني كنت قد قرأت رواية لا تنسى بعنوان «الباب» للكاتبة الهنغارية «ماجدا سابو»، لحظتها انهمر صوت فيروز في ذاكرتي، لا أدري من أين بتلك الأغنية المليئة بالشجن؟!

في باب غرقان بريحة الياسمين

وفي باب مشتاق وفي باب حزين

في باب مهجور أهله منسيين

هالأرض كلها بيوت يا رب خليها مزينة ببواب

ولا يحزن ولا بيت ولا يتسكر باب

سحبتني الذاكرة بعيداً إلى طفولتي، وبداية علاقتي الحميمة بأبواب الخشب القديمة المعروفة في تلك السنوات، كنت أتسمر أمامها، وأتحسسها بتلك العقد الحديدية الشبيهة بالمسامير، وبالباب الصغير الذي ينفتح على شكل نصف قمر من عمق الباب الكبير، فكان الكبار يحنون قاماتهم ليلجوا تلك الأبواب الصغيرة.

تذكرت أمي وأنا طفلة تهرع إليّ لتجدني أبكي أمام الباب أريد الخروج، لكنني خائفة من شيء ما، فيسمرني الخوف حتى تأتي هي لنجدتي!

الأبواب زينة البيوت، وسترها وقفل أسرارها وأمانها، وأول علاقتنا بالخارج، وأول شغفنا بالمعرفة والطيران بعيداً، وأول صدامنا مع المختلف، وأول احتمالنا لما لم نألفه، أما حين نكبر فلا نفكر إلا في اجتياز تلك الأبواب لنعرف ونحتمل ونكتشف ونحلق بعيداً!

Email