إنهم لا يغادرون الذاكرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ذكرت في مقال سابق حكاية الممثل المصري الراحل (جميل راتب) حين سئل في أحد اللقاءات التلفزيونية عن أكثر الشخصيات التي يحب أن يتقدم لها بالشكر لأنها أثرت في حياته بطريقة تجعله لا يستطيع نسيان ذلك الأثر وتلك الشخصيات؟

الممثل الشهير تقدم بالشكر من سائق الحافلة الذي رآه في حي الزمالك في القاهرة يعبر أحد طرقاته، فأوقف الحافلة ونزل للسلام عليه بكل فرح وأريحية، أما ثاني الشخصيات فهي عاملة نظافة في مطار القاهرة لم تجد ما تعبر به عن إعجابها وتقديرها ومحبتها له إلا أن تعزمه لشرب زجاجة مشروب كوكا كولا، وعليه يستطيع أي منا أن يتخيل مدى سعادة المرأة وهو يقبل الدعوة ويحتسي معها الكولا.

أما الثالث فسائق تاكسي سأله عن أولاده، فأجابه جميل راتب أن لا أولاد لديه، فقال له مباشرة ودون تردد نحن جميعاً أولادك يا أستاذ!

هؤلاء الثلاثة قد تركوا في وجدان الرجل أثراً لا يمكن محوه، لأنهم لامسوا الإنسان في أعمق وأصدق مشاعره: الصدق والبساطة والمشاركة الحقيقية، دون تكلف أو حاجة أو انتظار أي مردود متوقع، ثم إن هؤلاء الثلاثة ينتمون إلى أكثر شرائح المجتمع المصري بساطة وتواضعاً، ولذلك فحين يشاركك فقير لقمته أو فرحته وهو أحوج ما يكون إليها فاعلم أنه صادق، وأنه يحبك، إنه ينفق من حاجة وهو سعيد، بخلاف من ينفق من سعة وهو كاره!

ذكرني هذا بسيدة عربية عملنا معاً في المكان نفسه، كنت مديرة المدرسة وكانت عاملة كادحة تعيل أسرة كبيرة بصبر وصمت، ولطالما ذهبت إليها في مطبخ المدرسة حيث تستريح هناك، كانت تعد لي القهوة ونجلس معاً على الأرض نفتح بوابات الحكايات ونحيك سجادة الذكريات بلا توقف إلى أن تتذكر موعد قرع الجرس، فأغادرها إلى مكتبي، وتبقى هي في البال لا تغادر أبداً رغم مرور السنين.

Email