أبجديات

في مديح الأشياء البسيطة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تبدو الحياة سهلة، ولا معقدة كذلك، لا تظهر على أنها قيمة قصوى للجميع، ولا على أنها أمر يمكن الزهد فيه بسهولة، لكن الحياة بالتأكيد قصيرة جداً، ومحدودة كدائرة مغلقة، تبدأ بنقطة، وتنتهي سريعاً عند النقطة نفسها، الحياة - كما يقول الإنجليز - قصيرة أكثر مما نعتقد، ومن أن نضيعها في تقشير الجزر، علينا أن نأكل الجزر كما هو، وبقشره، لأنه لا وقت لنضيعه في تقشيره!!

ليس «الجزر» سوى كناية عن اللحظات الحلوة، التي من المستبعد تكرارها بالطريقة نفسها، وهنا، فالكنايات كثيرة، ومثيرة أيضاً، حين يتعلق الأمر بعلاقتنا بالحياة، وبجرسها اللطيف أو الحميم، الذي نوده، ونسعى إليه، لكننا حين نصله، فإننا نتمادى في تضييعه، والثقة في قدرتنا على القبض عليه، وبينما نملأ أكفنا بالماء، مزهوون بامتلاكه، يتسرب ذلك الماء من ثقوب اليد، ثم نبدو وكأننا لم ننل يوماً حظاً من الماء، وإذن (لا تقشر الجزر، فالحياة أقصر من ذلك)!

أظننا لن نرتوي من الحياة يوماً، فهي لم تخلق لنرتوي منها، ولا لتروينا، لقد خلقت لتستدرجنا إلى عمق الظمأ، واختبارات العطش، رغم أنهارها التي لا تحصى، لذلك، علينا أن ننتصر لأكثر الأشياء بساطة في الحياة، حتى نحتال على أنا الحياة المتضخمة، دعونا لا نراهن على النهر، ولكن على الجدول، على الشجرة، لا على الغابة، على الصديق، لا على القبيلة، على الطريق، لا على الخارطة، على وليمة العائلة، لا على مطاعم المدينة، وعلى الكتاب، لا على الجوائز!

لنراهن على الأشياء الصغيرة، التي يمكن أن تكون استعارة حرة للحياة: الأصدقاء الحقيقيون، الضحك، الأمهات، البيت، الذكريات، طعام الأم، أوقات الصباح في الشتاء، القراءة، المكتبات التي تغلق أبوابها عند الفجر، وتبيع كتباً رخيصة، حتى وإن كانت زائفة، فنحن تعنينا القراءة، لا الاتفاقات الدولية!

Email