الحنين إلى الزمن المفقود

ت + ت - الحجم الطبيعي

سألني أحدهم بينما كنا نحضر حفل إطلاق مجموعة قصصية لأحد الكتّاب الشباب في القاهرة، لماذا يميل معظمنا نحو الماضي؟ لماذا هذه النوستالجيا أو الحنين في معظم الكتابات والأحاديث بين الناس؟ أخذني سؤاله إلى كتابات كثيرة تنحو هذا المنحى النوستالجي (الحنين للماضي والدخول في مقارنات لا تبدو موضوعية أحياناً مع الحاضر)، وتساءلت من أين يأتي الحنين وكيف؟

تذكرت سنوات الثمانينيات يوم كان الوطن العربي كله يتابع مسلسل (ليالي الحلمية)، الذي لا تغيب أغنية مقدمته عن خيال أي واحد منا اليوم، تلك الأغنية التي كتبها الشاعر سيد حجاب، وغناها محمد الحلو، في هذه الأغنية كلام عن الحنين يقول:

ولفين ياخدنا الأنين

لليالي مالهاش عينين

ولفين ياخدنا الحنين

لواحة الحيرانين

الحنين في تفسيراته القاموسية يعني الاشتياق والرغبة في العودة إلى تلك الأوقات الجميلة أو الهادئة والسعيدة التي عاشها أحدنا في الماضي، وتنشأ مشاعر الحنين عندما نتوق لذكرى جميلة في الماضي أو حتى عندما نتذكر شخصاً عزيزاً غادرنا، أو منزل طفولتنا على سبيل المثال. إن معظمنا يشعر بالحنين عندما تعود بنا ذكريات الصور والأصحاب الذين نلتقيهم مصادفة فنتذكر معهم طفولتنا وسنوات المدرسة وزملاء المراهقة.

والحنين شعور يحدث للجميع، بغض النظر عن كوننا رجالاً أو نساءً، كباراً أو صغاراً، كتاباً أو عمال طرق، مثقفين أو أناساً بسطاء، فالجميع يحنون ويشتاقون في لحظة من لحظات العمر.

إن أي شيء يمكن أن يحرك الحنين في داخلنا، أغنية قديمة، صورة فوتوغرافية، رائحة العطر، الكيكة التي أكلتها طفلاً أو شاباً لأول مرة في حياتك، أو عندما قضيت طفولتك في بيت جدتك، هذه التذكارات والمواقف يمكنها في لحظة أن تعيد بناء عالم كامل ممتد وحافل بالوجوه والتجارب من خلال تجارب الماضي عبر حواسنا ونحن نجلس في مكان ما نتذكر كل ذلك. هذا ما فعله مارسيل بروست عندما كتب رائعته الشهيرة «البحث عن الزمن المفقود».

 

Email