الكتابة الفاتنة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كيف تتكون فكرة الكتاب أو الرواية في ذهن الكاتب أو الروائي؟

نتحدث عن الكتب ذات الأثر، الكتب ذات المعنى الذي لا ينمحي بسهولة من الذاكرة، تلك الكتب التي يكتبها صاحبها ليقول شيئاً مؤثراً وإنسانياً، يجعل من يقرأها يشعر بأنها تتسرب إلى أعماقه، وتحفر فيها، وتظل عباراتها وأسئلتها تتردد في داخله، دافعة به نحو مزيد من التأمل والتفكر والبحث، هذه الكتب، هي التي نسأل: كيف نبتت فكرتها في رأس صاحبها؟.

عادة ما يوجه الصحافيون هذا النوع من الأسئلة للكتاب والروائيين، وغالباً ما لا يعرف هؤلاء الإجابة المثلى عن هذا السؤال!

كتب الروائي التشيلي الشهير (أنطونيو سكارميتا)، صاحب رواية «عرس الشاعر»، و«ساعي بريد نيرودا»، التي تحولت لفيلم سينمائي، أنه بعد إعلان ترشيح الفيلم للأوسكار، انهال عليه الصحافيون، وحاصرت الكاميرات منزله، وطالبه بعضهم بأن يكشف لهم عن (سحر) القصة التي أمكنها أن تلهم صناع السينما، لصناعة فيلم يترشح لعدة جوائز أوسكار، فما كان منه إلا أن قاطعهم بحدة قائلاً: أيها السادة، أنا طائر، ولست عالماً متخصصاً في دراسة الطيور!

كنت أتساءل: كيف تمكّن الكاتب الفرنسي (لوران غوده)، من كتابة روايته البديعة «شمس آل سكورتا)؟ هذا ليس سؤال لتفكيك أسرار العبقرية، ولكنه انبهار حقيقي بالروائي، ليس لأنه أجاد حبك وسرد رواية بلغة جميلة، ولكن في قدرته على كتابة رواية تغوص في أعماق قارئها، وتطلق العنان للكثير من الأسئلة المؤجلة، بل والمحاكمات المسكوت عنها في داخله، فيبدو القارئ وكأنه يطالع سيرته الخاصة التي مضت، وتلك التي ستأتي، كما يراجع أحداث حياته وتاريخ عائلته، حتى يجد نفسه وكأنه يحاسب جيناته الوراثية، على ما أورثته، وإلى أين أوصلته!!

«شمس آل سكورتا»، رواية أجيال تتوالى حياتها أمامك، مثيرة عواصف من أسئلة الذات والعمر والزمن، أسئلة لطالما هربت منها، فإذا بالروائي الفذ يواجهك بها في رواية. وتلك هي الكتابة الفاتنة.

Email