إنها أقنعتنا!

ت + ت - الحجم الطبيعي

حين نتأمل النفس الإنسانية، وتقلباتها، تدرجها للسمو وانحداراتها، ترفّعها وانغماسها في الرذائل، ضعفها وقوتها، ما يسعدها وما يكسرها، نوقن أننا جميعاً أصحاب هذه النفس، نعبر الحياة متأرجحين بها عبر هذه الحالات والمسالك، وإن النفس لتنحرف، وتضل وتشقى، لكنها تحن دائماً لشرطها الإنساني، لصدقها وحريتها وانعتاقها، لذلك، فإن الحديث عن النفس، والذاكرة واحتيالاتها، والقلب وتقلباته، الزمن وما يفعله، يستهوينا جميعاً، وحين يرانا الآخرون على غير حقيقتنا، متوغلين في أحشاء الخلافات والضجيج والصراعات، يظنوننا قد تخلينا عن عفويتنا وصدقنا، والحقيقة هي أننا نضطر كثيراً لأن نرتدي أقنعة لا بد منها، كعدة «الشغل»، ما سيجعل النهار يطير بجناحي فراشة، بدل أن نتحرك بوجوهنا الحقيقية، فنتعثر في كل خطوة، وأمام كل وجه، وعند كل محادثة، كلنا كالرسام، نحتاج إلى علبة ألوان، لأن لوناً واحداً لا ينجز لوحة ناجحة!

كما قد نتخلى عن أحلامنا أحياناً، لأن الحياة صعبة المنال، لا تنال بالأحلام وحدها، ولكن بالأموال والمصالح والعلاقات، ونؤلف أفلاماً قصيرة خلال نهاراتنا، لنبدو للناس أننا أقوياء جداً، ومستقلون، ولا نتعاطف ببلاهة، ولا سبيل لخداعنا أو الضحك علينا من خلف ظهورنا، أما في الحقيقة، فنحن أضعف من ذلك بكثير، لكنها الأقنعة، تفرض شروطها علينا!

في طفولتنا، كنا نحلق بأجنحة من ورق، ونجري بأحذية من ريح، نصل إلى آخر المدى في كل شيء، نذهب إلى حيث تأخذنا أقدامنا، نفعل ما يخطر ببالنا، لا نفهم معنى الوقت، ولا الموت، ولا ماهية الألم، والصدمات والخداع، منتهى سعادتنا، حين نخرج إلى فضاء الأزقة، متحررين من سلطة الأهل، لا نحب أوامر أمهاتنا، ونخاف من براقع جداتنا (البراقع أقنعة في نهاية الأمر)، وكلما كبرنا، ثقلت أجسادنا عن الذهاب إلى آخر الطريق، وثقلت أرواحنا عن احتمال أحلامنا، فنضعها جانباً، متعللين بالظروف وصعوبة الأحوال، ونبدأ في ارتداء الأقنعة!

Email