الفنان والمدينة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعرفت على الفنانة التشكيلية العمانية نادرة محمود عن طريق حسابها على الفيسبوك، وعرفت من خلال صفحتها تلك العوالم الفاتنة للفنانة وتوجهاتها، وعندما بدأت تكتب ما يشبه سيرتها الذاتية بدا لي الأمر وكأنني أقرأ لكاتبة محترفة، وحين طلبت مني أن تتولى دار النشر التي أمتلكها عملية تحرير الكتاب أدبياً، أشرت عليها بأنها في غير حاجة لأي تدخل من أي نوع، فقد كانت كتابتها تنساب بعذوبة كما أعمالها الفنية.

كانت الحرب الأهلية اللبنانية هي الحدث الأكبر الذي جعل نادرة وزملاءها يغادرون بيروت نهائياً كما جاء في مقال الأمس، خاصة وقد طال أمد الحرب لأكثر من عقدين، تقول نادرة (بعد عشرين عاماً عدت إلى بيروت وإلى منطقة الحمرا والهورس شو، كان كل شيء محطماً ومهشماً، الشوارع، العمارات وحتى الناس، الحمرا كانت لا تزال تحتفظ بتفاصيلها، إلا أن صور الخميني وحسن نصر الله تملأ الجدران، كان كل شيء قد تغير للأسف، المسارح، السينما والمقاهي، والمكتبات قد طالها الخراب بشكل قاتل..).

ومن بيروت إلى القاهرة ولندن ونيويورك ومدن أخرى انتقلت إليها الفنانة، حيث أثرت تجربتها وموهبتها وفنها، لكن تبقى تجربة بغداد هي الأغنى، فحين التقاها أحد أصدقائها قال لها مرة (لو أنك لم تقطني في العراق لما أصبحت فنانة، وقد أكدت كلامه حين كتبت في سيرتها «كان كلامه صحيحاً»).

حين نكتب سيرتنا الذاتية بصدق وبتفصيل كامل، أو حتى حين نخلطها بشيء من الخيال تفرضه اللغة أو التباسات الذاكرة، فإن الحنين غالباً ما يقودنا إلى أجمل المخابئ، وغالباً ما يروي الفنانون والأدباء عن بغداد وبيروت والقاهرة صوراً تجعل أجيالاً لا حصر لها تتمنى أنها لو عاشت ذلك الزمن، الزمن الجميل، الأخضر الطازج، الذي تنبعث منه روائح عشب وأصوات وفن وأناقة، وتوق وبساطة.

ورغم الفقر وقلة ذات اليد فقد كان اللون طاغياً على ثياب نساء الأمس (تروي نادرة في سيرتها كيف أن العمانيات في تلك السنوات البعيدة، حيث لا تعليم ولا مدارس، كن يرتدين اللون ويتعطرن بالحرية ويتبخترن كفراشات وورود).

 

Email