سيرة المدن المفتوحة

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الكتابات البديعة التي يمكنك أن تعثر عليها بطريق الصدفة الأحلى من ألف ميعاد، تلك الكتابة السردية التي يروي فيها أديب أو فنان تفاصيل حياتية لا يعلمها أحد سواه، فيقودنا متنقلاً بنا بين أزمنته، ودهاليز ذاكرته، وأسفاره بين العواصم سعياً للعلم والتعلم، وهرباً من مضايقات صغيرة ربما في بلاده، في تلك السنوات من بداية سنوات السبعينيات حينما كان الحر اللافح وانعدام أفق المتع والرفاهية في معظم مدننا الخليجية، أسباباً وجيهة للسفر!

حين لم يكن في بلداننا أية مدارس، ليس سوى مدرسة واحدة كما تقول هذه الفنانة التي أقرأ (سيرتها)، هي المدرسة المخصصة للذكور فقط، عدا ذلك فلا ثانويات ولا جامعات ولا تعليم أبداً، كان بلدها، حسب وصفها، مسوراً بسور، وكانت بدايتها هي مع التعليم في العراق، العراق كان حاضرة من حواضر العرب المزدهرة بالعلم والجامعات والعلماء والمجلات والمشاهير، كما كان دوماً، وهذه إشارة تبعث الغصة فعلاً على حال العراق اليوم.

عن حياتها وأسرتها في بغداد، تروي الفنانة تفاصيل البيت والمكان والطريق للمدرسة المختلطة بصحبة أشقائها فتقول «كان اسمها المدرسة النموذجية وكنت أذهب إليها مشياً على الأقدام مع اثنين من إخواني، كانت تجربة الاختلاط شيئاً عادياً، كان أهلي متفتحين على العالم، بل حتى المحيطين بنا من الجيران والأصدقاء كانوا متنورين، وعندما أسمع اليوم بعض الأفكار والسجالات التي لا جدوى منها، أرى أن الوعي الاجتماعي في سبعينيات القرن الماضي كان ضارباً في التنوير والانفتاح أكثر من اليوم بكثير!».

عن تجربة الدراسة الجامعية في بيروت تحكي قائلة: «.. في بيروت كانوا يعطوننا برنامجاً مكثفاً خاصاً بنا كطلاب خليجيين، كان البرنامج يشمل كل أمر يخطر على البال، برامج كشفية، رحلات، دروس في الطبخ والموسيقى ورقص الدبكة، كانت تلك المدارس في الجبل بين أشجار الصنوبر والكرز ورائحة الأعشاب البرية، في طريقنا إلى تلك المدارس كان السائق يضع لنا أغنيات فيروز ووديع الصافي وصباح، ولذلك فإن العودة إلى مدينتي فترة الإجازة تشكل لي كابوساً حقيقياً، وحدها الحرب الأهلية جعلتنا نهرب من بيروت محملين بكل تفاصيل الحياة الحلوة والزمن الجميل».

 

Email