أبجديات

الأدب والحياة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الزمان كما المكان يفرضان اشتراطاتهما دائماً، فالظروف التي تعبرها المدينة أو المنطقة تقودنا دائماً إلى خيارات لم تكن متاحة لنا سابقاً أو لم تكن مفضلة أو لم تخطر لنا على البال، فيأتي ظرف زماني محدد بملابساته لكي يصنع لنا توجهات أخرى.. تماماً كما يحدث عندما نندفع لقراءة رواية أو كتاب محدد في ظرف بعينه.

رواية «عدَّاء الطائرة الورقية» هي أولى روايات الأفغاني خالد حسيني وأكثرها شهرة، إنها حكاية أفغانية بامتياز، تجري أحداثها في أفغانستان السبعينيات. تشرح الصراع الطبقي والتمايز الطائفي في أفغانستان، مشيرةً إلى مخلّفات سقوط الملكية الأفغانية، وغزو الروس، وبداية حقبة طالبان، مع كل الكوارث التي أفرزتها كل هذه التحولات، من خلال حياة الطفلين حسن «ابن الخادم» وأمير «ابن السيد».

لم ينل «حسن» حظه كطفل في أي شيء، حتى في أن يجري وراء مجرد طائرة ورقية تخصه، لذلك سيظل «حسن» ذاتاً مهملة ونكرة، يتلقى التهميش والاعتداء والتهم، دون أن يملك حتى أن يردّ عن نفسه، وسينكسر مئات المرات، لأنه بلا سند، «فمن بلا ظهر يضرب على بطنه دائماً»، يقول المثل في كل مكان!

هذه الرواية واحدة من الأعمال الأدبية التي تدحض فكرة تفاهة الروايات وعدم أهمية قراءتها، فالرواية ليست هي المُهمة ولا قراءتها، ولكن نوعية الرواية وموضوعها، وهذا دور ومهمة القارئ الذي يذهب أحياناً إلى اللامهم والتافه وغير الضروري، والذي بعد أن ينتهي منها يتهم الأدب كله والروايات جلَّها بعدم الأهمية.. نقول: اختر ما تقرأ، ثم فيما بعد انظر ماذا كسبت؟

إن ظرف المنطقة اليوم يدفعنا لقراءة هذه الرواية ومثيلاتها، التي تأخذ بيدنا وتسير بنا بين النقاط وبين الأشواك التي تملأ الأمكنة التي نتابع أحداثها، مشكّلةً قنديلاً شديد الإضاءة يضيء على مفاصل وتفاصيل لا يمكننا أن نفهمها بلا علم وقراءة ومعايشة.. هذه الروايات تمثل تلك المعايشة التي نفتقدها بطبيعة الحال، فإذا بنوع من الروايات يعوضنا هذا الفقدان!

 

Email