إدارة الاختلاف

ت + ت - الحجم الطبيعي

في كتاب الحرية في بلدان التحضر ومع الإنسان المتحضر نقرأ المبدأ الأول: لا يحق لأحد أن يصادر أو يسخر أو يحقّر رأي الآخر المعارض له أو المختلف عنه أو حتى الذي يهاجمه، إن منطق التحضّر الإنساني الذي يتعامل مع الحرية كمنجز عظيم يقدم من الوسائل والأدوات ما يكفل إدارة الاختلاف بعيداً عن منطق الهمجية وإعلان حالات العداء المتخيلة.

إذن فكما أن هناك إدارة محددة ومعروفة عالمياً لإدارة الموارد والأموال العامة والوقت والبشر، فهناك أيضاً إدارة لجميع أشكال الاختلاف وبأدوات يحددها القانون ويضمن تفعيلها، لكننا للأسف لا نستخدمها بل ولا نقربها! لماذا؟ لأنها لا تلبي شهوة التوحش والأنانية ونزعة التفوق والرغبة في الانتصار على الآخر، والاستقواء عليه بالنفوذ والمال والعائلة والوظيفة، من هنا يأخذ التعامل مع الاختلاف شكل القمع والإقصاء والتأليب والعزل والسخرية والنبذ والتنمّر، حتى يفكر ألف مرة قبل أن يجاهر باختلافه!

هكذا يعالج المتخلفون خلافاتهم واختلافاتهم تحت سماوات بعض البلدان والمدن والمؤسسات، حيث لا يمل الناس من التباهي بأنهم متحضرون ومتقدمون ومتعلمون، ومع ذلك فإنه لا التحضر ولا التاريخ قد شكلا لهم الحصانة ولا الوقاية والرادع لمنع نزعة التخريب والأنانية التي تجعل البعض ينتصرون لذواتهم وانتماءاتهم الطائفية والحزبية والمناطقية والعرقية حتى وإن كان الثمن حرق بلدان، وتسميم حياة ومستقبل شعوب بأكملها.

إن الوعي هو حصانة الفرد وحصانة الأوطان وحصانة المنجزات، وحيث لا وعي، ولا اعتراف بحق الاختلاف بتحضر، ولا تغليب لمصلحة الجماعة، يصبح الكل مستباحاً وعرضة للإلغاء والإفناء والمصادرة، والأمر لا يقتصر على عدة أفراد أو بعض المجموعات، لكن مما يصيب بالذعر أن الانتصار للرأي والطائفة والمصالح الشخصية قد قضى على بلدان عظيمة ذات حضارة وعمق وامتداد، وها هو العراق خير شاهد، وهذا لبنان يتهاوى تحت ضربات الأنانية ومنطق الانتصار للمصالح بأسوأ أشكال التعاطي!

 

Email