لقد مرت العاصفة بسلام!

ت + ت - الحجم الطبيعي

الغياب كسلوك جماعي، والعزلة التي فُرضت علينا، ثم الخوف القاهر والضاغط على القلب والجسد معاً، تحت وطأة هذه الثلاثية المترافقة معاً، انسحبت أيامنا في هذه الحياة لأكثر من عام ونصف، فهل وعينا تماماً معنى وحجم الخسائر التي تكبدناها؟ هل تأكدنا كم يبدو الأمر قاهراً ومثيراً للأعصاب، أن تكر أيامك أمام عينيك وأن تتفرج عليها تنسكب على الأرض كسائل لا يمكن جمعه، أن تتخلى طواعية عن سنتين من عمرك مفضلاً الأمان وهارباً من المخاطرة؟

كغريب يطرق بابك عند الفجر، هكذا طرق الوباء باب الكوكب، فهبت البشرية لاستقباله بالخوف والاختباء، وابتعاد الكل عن الكل، حتى أمهاتنا أصبحنا نقبلهن على أكتافهن خوفاً عليهن، نتقابل مع أصدقائنا من خلف الشاشات كعشاق يسرقون اللقاء من خلف الأسوار العالية، أعمالنا، تعليم أبنائنا، تسوقنا، معارض كتبنا، أثاث بيوتنا، مطاعمنا، كلها توارت وصارت مجرد شاشات وأزرار، صرنا كمن نعيش حباً من طرف واحد!

عندما جاءتني رسالتها بعد غياب طويل خلال زمن كورونا البائس، وجدتها عاتبة، وكأنها لم تعش معنا محنة الكوكب، كأنه حين أغلق أبوابه لشهور كانت قد تسللت من مكان ما، وحين عادت كتبت لي: «أنا عاتبة إذا كان يحق لي ذلك، توقعت على الأقل مجرد سؤال عن غيابي»!

ربما أحدثها عن المخاوف واهتزاز اليقين، ربما أسألها عن معنى الغياب والعتاب في مواجهة هذا الموسم الطويل القاسي من الغياب القسري الكبير، الذي لا فرق فيه بين من غاب ومن حضر فكلنا كنا في العزلة ساقطين، لكن ألا زلنا نعتب فعلاً؟ ألا زلنا نبحث عن أمان القرب والافتقاد عن الآخر: الصديق والأخ والحبيب؟ هل أبقى لنا كورونا بعد هذا كله شيئاً من جذرنا وهويتنا وتعريفنا الإنساني: إحساسنا بالآخر؟

إذن لقد مرت العاصفة بسلام!

Email