لماذا ينتحرون؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس هناك من سرٍّ أشد خوفاً وغموضاً من الموت، وبلا شك، فإن الانتحار هو أحد السلوكيات التي لا تزال، وستظل، ملتبسة ومتأرجحة، ما بين النفسي والعقلي، ولا شيء يحسم حقيقة الدوافع التي تدفع الإنسان في لحظة عمياء، إلى أن يلقي بنفسه في فم العدم، دون تفكير أو تردد، لأن التفكير بحاجة لعقل، وفي تلك اللحظة، يكون العقل في حالة غياب كامل.

إنها تلك اللحظة التي قرأنا عنها في مراهقتنا، دون أن نفهمها جيداً، عندما ألقت أنا كارنينا بنفسها أمام القطار.

وفي الحقيقة، فإن استغراقي في قراءة كتاب «في أثر عنايات الزيات»، الفائز بجائزة الشيخ زايد هذا العام، جعل بوابة السؤال تنفتح على مصراعيها أمامي: لماذا أقدمت عنايات الزيات، الفتاة الجميلة، الأرستقراطية، المقبلة على الحياة، على الانتحار؟ ففي الصور، وعلى سطح الأحداث، تبدو عنايات منطلقة، متمردة، وبصحبة الفتاة الشقراء بارعة الحسن نفسها في معظم الصور، تلك الشقراء التي ستصبح لاحقاً الممثلة المصرية الشهيرة نادية لطفي!

إذن، لماذا بعد أن أنجزت روايتها الوحيدة، كتبت تلك الرسالة لابنها الوحيد، عباس شاهين، تعتذر له فيها أنها لم تستطع احتمال الحياة، لذلك انتحرت!

لماذا انتحرت الروائية البريطانية فيرجينيا وولف، بعد صراع مع الاكتئاب عام 1941؟ ثم بعدها بعام واحد، تحديداً في يوم 21 فبراير من عام 1942، وفي لحظة يأس تامة من كل شيء، كان يعصف بالعالم آنذاك، جلس الروائي النمساوي الشهير، صاحب الروايات الجميلة، ستيفان زيفايغ، في بيته الفخم، يودع معارفه بريدياً، ويشرح لهم أسباب انتحاره، وكتب يومذاك 192 رسالة وداع، وبعد ذلك، دخل وزوجته إلى غرفة النوم، وابتلعا في لحظة واحدة، العشرات من الأقراص!

وهي اللحظة الغامضة ذاتها، التي دفعت الروائي الشهير صاحب «العجوز والبحر»، إرنست هيمنغواي، ذات صباح من عام 1961، ليطلق رصاصتين من بندقيته، ويفجر دماغه! وهو الرجل الآتي من أسرة، اعتُبر الانتحار مرضاً وراثياً فيها!

Email