أمي.. حين تحكي!

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تتعب أمي ولا تتوقف أبداً وهي تحكي لنا حكايات الناس الذين مروا بحياتها، وتركوا فيها أثراً لا يمحى، حكايات من أخبار ذلك الزمان الذي تسميه (حلواً)، لذلك تحنّ إليه وتستعيده، لم تتعب ولم تمل، وأنا التي أظنني سمعت حكاياتها مراراً، لأنها لا تحكي للتسلية أو لتمضية الوقت فقط.

تؤمن أمي بأن ما كان لا يجب أن يتعامل معه جيل اليوم كهباء لا قيمة له، بل عليهم أن ينصتوا، ويستفيدوا، ويتعلموا، فواحدة من طرق نقل التجارب هي الكلام بصوت مسموع ومقروء معاً، ألقِ سلامك بصوت مقروء، كما قال السعودي أحمد بو دهمان في روايته «الحزام»، واكتب أفكارك وامضِ!

تحكي أمي شيئاً من أسرار عمرها، تضع في قاع قلوبنا صور أهلها وأصحابها، والرجال الذين سمعت قصصهم، وشهدت مواقفهم، والنساء اللواتي تركن أثراً فيها ورحلن ولم ترحل أرواحهن، لذلك فحين نتململ لأنها تعيد ذات الحكاية، مرة تلو مرة، تقول أريد أن أتأكد تماماً أنني كتبت في قلوبكم ذاكرتي حتى آخر سطر، فهؤلاء الذين أُقلب أيامهم معكم، وأنبش أصواتهم سيرافقونكم كما رافقوني، وستحتاجونهم كما احتجتهم في لحظات كثيرة!

من مروا، ومن رحلوا، ومن راحوا، لا يصيرون أحجاراً، ولا أوراقاً صفراء، إنهم نحن في ختام الحكاية، فمن نحن، ومن هم؟ ألسنا جزءاً من أمهاتنا وآبائنا، وشيئاً من أجدادنا، وقليلاً من التاريخ، وخليطاً من رائحة المكان والجغرافيا، ولذلك فما يمكن أن يدفع للتفكير والخوف ليس تكرار أمهاتنا وآبائنا لحكايات الذاكرة، ولكن ذلك السؤال الذي لا يغادرني: ترى ماذا سنترك نحن لأبنائنا؟ ماذا يقول جيل اليوم لأطفاله؟

من كانت له ذاكرة فليكتبها، ومن ينصت لذاكرة أهله فليحتفِ بها، فربما كانت آخر حكايات الزمان البهي.

Email