المخاوف جزء من الحياة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

في مقابلةٍ تلفزيونية، قال الروائي إدواردو غاليانو كلاماً شديدَ العمق حول رؤيته ومعتقداته: في الحياة، والأشياء الصغيرة والضخمة، والأحلام، والخوف، والكتابة، والنظرة المثالية للأمور التي تحدث لنا وحولنا، ما قادنا في نهاية حديثه إلى استنتاج بديهي هو أن المخاوف موجودة دائماً حولنا، بحيث لا يمكننا إثبات أنه مرّ يوم من أيام حياتنا لم نقع فيه تحت وطأة الخوف من شيء أو على شخصٍ ما.

إن الحياة بلا مخاوف هي في الحقيقة حياةٌ غير موجودة، لذلك فإن الهروب من مواجهة تلك المخاوف لا يجعلها تختفي، كما أنه يحلّها ولا يخلصنا منها، علينا أن نعترف بتلك المخاوف، وأن نتحدث عنها بشكل طبيعي تماماً كما نتحدث عن جيراننا، وعن شروق الشمس ولون الشجر ومشاكل الأولاد، ومن دون هروب متعمد ولا تضخيم مبالغ فيه.

سيبقى السفر بالطائرة مثلاً أحد أقوى تجليات الخوف على الإنسان، فليس أمراً عادياً أن يحلق الإنسان على ارتفاعات شاهقة في السماء داخل صندوق مغلق وعرضة للسقوط أو العطب في أية لحظة، إن هذا الخوف طبيعي جداً، مع ذلك فإن المبالغة في هكذا تفكير قد يعيق حركة الحياة، بل ويعطلها تماماً، فالعالم كله يسافر رغم فكرة الخوف: هل فكرنا كيف ينتصر الإنسان على فكرة الخوف هنا؟

علينا أن نتنفس، وأن نمضي إلى الأمام بكل أحمالنا، حتى مع علمنا بكمية الجراثيم ومهددات الصحة ومخاطر التلوث حولنا، كما أن علينا أن نقول رأينا حتى وإن همس لنا أحدهم: اصمت كي لا تفقد وظيفتك. فالإنسان طالما أنه حيّ ومتفاعل فإن عليه أن يقرأ ويتأمل ويقول ما يؤمن به حتى لو اجتاحه القلق، وأن يأكل حتى وإن خاف من الكولسترول، فالحياة مخاوف لا تنتهي، ولا يمكن أن تُعاش إلا في ظل كل تلك المخاوف.

غاليانو يدلّنا على مخرج إنساني لكل ذلك: يقول إن التشارك هو الحل، نحتاج لأن نتدرب على فعل المشاركة؛ فهذه تقودنا للتضامن، والتضامن إذا مارسناه في حياتنا اليومية فإننا نعي معنى التواضع، والتواضع يجعلنا نتقبل صورتنا في مرايا الآخرين، وإدراك العظمة التي تكمن في الأمور الصغيرة التي لا نراها بقدر انشغالنا بالأشياء الضخمة، والأشخاص الذين نظن أنهم هم المهمون جداً، في حين نزدري الأشخاص والأشياء البسيطة في حياتنا!

 

Email