كن شجرة وفكِّر كعصفور!

ت + ت - الحجم الطبيعي

أكثر من شخص سألني هذا السؤال: «كيف يمكن أن نغيّر حياتنا دون أن نخسر أشياء كثيرة مُهمة قد تذهب مع هذا التغيير؟». بالنسبة إليّ فإن هذا السؤال كان متوقعاً في الوقت الذي تحدثت فيه خلال مقالتين عن التغيير، ما الذي يجعلنا نفكر فيه، وما الذي يساعدنا لنتخذ القرار؟ وحين ذكرت قصة استقالتي من وزارة التربية والتعليم، في اليوم نفسه الذي صدر قرار ترقيتي، كنت أقصد الإشارة لهذه الواقعة تحديداً؛ لأؤكد أنه لا يمكننا أن نغيّر شيئاً دون أن نكون مستعدين لفقد أشياء أخرى في المقابل.

المسألة لا تتعلق بتفكير حداثي أو طارئ أو غريب علينا، ففي لهجتنا الدارجة نقول: «من بغى شيء ترك شيء»، بمعنى أنك لا يمكن أن تكسب أو تحصل على كل شيء في الوقت نفسه، عليك وأنت تعيد صيانة منزلك أن تكون على استعداد لخسارة بعض الأموال، وأن تضحّي ببعض المواد الجيدة في المنزل كي تتم الصيانة والتغيير بالشكل المطلوب، إذا لم تستعد وتتقبل نتائج وتكلفة التغيير كاملة فإنك لن تُغير ولن تتغير، وستجد نفسك ترقّع، وهناك فرق بين التغيير والترقيع.

ثم إننا لا نفكر في التغيير تقليداً للآخرين، أو من قبيل أنه «توجّه» رائج؛ نحن نفعل ذلك لأننا بحاجة ماسّة له؛ ولأننا نمتلك الشجاعة اللازمة للإقدام عليه؛ ولأننا فكّرنا في الأمر جيداً، وحين اتخذنا القرار كان الوقت ملائماً جداً، أي أن التغيير يحتاج ظروفاً تهيئ نجاحه وتساعد عليه.

التغيير أيضاً يعتمد على نمط الشخصية، والأمر هنا له علاقة بالتربية والثقافة التي نتلقاها منذ الصغر، كما أن لطريقة تفكيرنا علاقةً كبيرة بالأمر فيما إذا كنا أشخاصاً قادرين على فعل التغيير أم لا، فالشخص الذي يفكّر كشجرة يمكن أن تذبل أو تموت إذا غيّرت مناخها أو اقتلعت من تربتها لا يمكنه أن يتغير، أما الذي يثبت كشجرة ويفكّر كعصفور يمكن أن يبني عشّه على كل أشجار العالم في الوقت الذي يحتفظ بشجرته الخاصة فهذا هو الذي يتغير؛ لأنه سيكون قد عرف كل السماوات واختار سماءه وشجرته عن معرفة ويقين.

Email