ماذا لو سلكت طريقاً آخر؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

يقول الروائي الكويتي سعود السنعوسي في روايته «سجين المرايا»: «حتى تتمكن من تحويل تلك الأشياء التي تخشاها أو تكرهها أو تجهلها إلى أشياء محببة إلى نفسك، عليك أن تتوغل في أدق تفاصيلها، فإنك حتماً ستعثر على ما تحب في قلب ما تكره»، فهل جرَّبتم؟ هل جربنا جميعاً أن نتوقف للحظة، لمرة واحدة على الأقل، من قبيل التجربة، أو على سبيل اكتشاف طريق آخر غير ذلك الذي نسلكه عادة؟

هل جربنا أن نتعرف تفاصيل ما نظن أننا نكرهه؟ أن لا نقول: «هذا الشخص لا نحبه» هكذا دون بيّنة؟ أو «هذا الكاتب لا نطيقه» دون أن نقرأ له شيئاً، أو «هذا المكان نكرهه، وهذه البلاد من المحال أن نشد إليها الرحال»، وأيضاً دون سبب واضح؟

إن كل ما نخافه وكل ما لا نحبه ولا نطيقه قد عشش في عقلنا في المنطقة السوداء لسبب غالباً ما يكون غير واضح أو منطقي، وهناك تتراكم كل التجارب السيئة التي هزت أعماقنا وتركت على سطح قلوبنا خدوشاً لم يكن من السهل إزالتها، في هذه المنطقة. أسقطنا مواقفنا عن كل ما نخاف منه وما نكرهه، ثم تصالحنا مع مواقفنا تلك، فاعتدنا الخوف والكراهية كما اعتدنا الحب والأنس والبهجة، برغم أن المسافة بينهما كما المسافة بين الضوء والعتمة، لكن احتيالات الذهن واللاوعي أخطر مما نظن.

السنعوسي يفترض أن الجهل سبب رئيس في تراكم اللا حب واللا أمان، وفي الحديث المتداول نقول: «الإنسان عدو ما جهل»، فحين تجهل جمال الغابة تخاف التوغل فيها لأن ذهنك لا يستطيع أن يصورها لك إلا مكاناً مخيفاً مليئاً بالأفاعي والنباتات السامة والحشرات، وأنه ربما يخرج لك دب من هنا أو نمر من هناك! لكنك لم تتساءل يوماً: كيف يستمتع البعض بالرياضة في الغابات والتنزه في طرقاتها؟

لا شك أن هناك غابات أخرى تعبق بالدهشة، خلاف تلك التي تعج بالتماسيح القاتلة والقبائل المتوحشة كما في أراضي حوض الأمازون أو غابات النيل الأبيض كما وصفها محمد المنسي قنديل في روايته الجميلة «كتيبة سوداء».

الذين يقتحمون أي أرض هم الذين يفوزون بسبق الاكتشاف، والذين يجربون كل شيء بدءاً بالأشخاص وانتهاء بأنواع الأطعمة الغريبة هم أيضاً الذين يفوزون بلذة الحقيقة «ألا يفوز باللذة الجسور؟». إن «الأشياء ليست دائماً كما تبدو، وأنت من يقرر» كما يقول السنعوسي، فقرر أن تفوز باللذة، لكن كن جسوراً لأجل الحصول عليها.
 

Email