آراء محظورة.. ولكن !

ت + ت - الحجم الطبيعي

سيبدو الخبر غريباً أو ربما فريداً من حيث وقوعه في بلد كالولايات المتحدة التي عرفت دائماً ببلاد الحرية، أما الخبر فهو انسحاب واحدة من أعمدة الصحافة في أميركا من منصة (تويتر) بسبب ما أصبح يعرف بظاهرة (نشاز التغريد) والتي تعني أن النقاشات التي تتم عبر تويتر لم تعد تحتكم إلى التفكير العميق ولا إلى الجدية والعقلانية، وهذا هو السبب الذي دفع بـ «ماغي هابيرمان» الصحفية الشهيرة في صحيفة «نيويورك تايم» والتي تحظى باحترام كبير في الأوساط الإعلامية العالمية إلى الانسحاب من تويتر برغم وجود أكثر من مليون شخص يتابعونها بانتظام..

هناك من يسعى حثيثاً لإعادة العجلة إلى مسارها الصحيح، بإعلاء قيمة الحرية والتعددية، فمنصة تعبير عن الرأي عظيمة التأثير والجاذبية كتويتر انحرفت عن مسارها، ولم تعد تتسم بما يجب بل أصبحت النقاشات فيها تتسم بـ (المكر، التعصّب المسموم، الغضب والغشّ الفكري) هذا ما قالته الصحفية الشهيرة، بل إن الأمر لا يتراجع إنما يتصاعد باتجاه الأسوأ، وهذا ما أقر به «جاك دورسي» الشريك المؤسس لـ«تويتر» !

في عالمنا الحقيقي وليس الافتراضي، لا تزال قضية منع أو حظر الكتب، والآراء، والمعتقدات المخالفة سائدة بقوة، ويبدو أننا لن نتخلص منها في القريب العاجل، الفارق هو أننا في العالم الحقيقي نمنع الكتب لأنها تناقش بعمق وحرية وعقلانية، بينما على منصات التواصل تنتقد النقاشات لأنها بدأت تفقد هذه السمات أو هذه الروح المتطلعة نحو التعددية واحترام أفكار الآخرين المغايرة! وهنا تكمن المفارقة في التعاطي مع موضوع الحرية والتعددية !

لقد منعت دول كثيرة في سنوات الخمسينيات رواية (1984) للكاتب جورج أورويل، ووجد فيها ستالين نقداً مباشراً موجهاً ضده، وقد كان على صواب في تقييمه ذاك، فالمعروف أن الرواية قد اتخذت موقفاً قاطعاً من الدول القمعية الشمولية، لكن ألا يبدو غريباً أن تحظر الولايات المتحدة وبريطانيا الرواية نفسها فترة ما عرف بأزمة الصواريخ الكوبية؟

وبدون الدخول في نقاش فلسفي حول قضية الحرية، يبدو أن الحرية كمفهوم أصبح أشد التباساً وإحراجاً للدول ومتخذي القرار، خاصة بعد أن أعلت مواقع التواصل عتبة الحرية إلى مستويات غير مسبوقة، بل وصارت تدافع عن التعددية الفكرية وضرورة التعبير عنها بتغريدات عقلانية وعميقة، وخالية من التعصب والازدواجية وهو ما يعجز الكثيرون عنه حين يناقشون الأمور من مناظير شخصية بحتة في كل مكان وليس في عالمنا العربي فقط، وإن كان الأمر أشد بؤساً عندنا !

Email