إنها الذاكرة.. وإننا ننسى!

ت + ت - الحجم الطبيعي

أولاً إليكم هذا الحلم القصير والمزعج ربما..

كان حلماً غريباً وحارقاً، مرّت عليه سنوات طويلة جداً، لكن طعمه أو الإحساس الذي وصلني من خلاله لم يذهب عني بعيداً، ظل يحوم حولي، وبقيت أتذكره، لقد رأيت فيما يرى النائم أن رصاصة منطلقة من مكان ما تقطع المسافة والزمن، كانت متوجّهة نحوي، كنت أرى انطلاقها الخاطف بعيني حتى اللحظة التي استقرت في جسدي، فشعرت بطعم الألم، وبرائحة احتراق اللحم، وبفداحة الوجع، ثم صحوت أتصبب عرقاً، ولن أسأل عن تفسير للحلم؛ لأن الحلم كما قال لي أحدهم كالطائر (إذا فسِّر وقع)! للحظة وأنا أقف مسمّرة في إحدى المناسبات لا أتذكر هذه الوجوه التي تتوالى أمامي، اكتشفت أن ذاكرتي خانتني، وأن الزمن الذي حجب تلك الوجوه التي لم أتذكرها كان بعيداً أو هكذا خُيل إليّ، هناك عمر وسنوات سقطت في المسافة بين زمنين ولحظتين وما من سبيل لتعديل أي شيء، فبين زمن الفراق وزمن اللقاء هناك دائماً فائض مفقود من الزمن، قلما يشعر به الناس، لكنه المسؤول الأول عن ضياع الأسماء وأصحابها، والملامح والتفاصيل! حين كانت الوجوه تتوالى أمامي كان من بقي منها على حاله في تجاويف الذاكرة يؤلمني مروره جداً، إن أكثر ما كان يؤلمني هو ذلك السؤال الذي سمعته مراراً: أين أنتم؟ أين اختبأتم في هذا العمر الذي عبر بيننا؟

كنت أشعر بألم شديد؛ لأن مجرد نسيان كل تلك الأسماء هزّ ذاكرتي وآلمها فعلاً، ولا أدري لماذا شعرت بالألم هل لأن عملية التذكر مؤلمة جسدياً أم لأنها تثير فينا تلك الحقيقة الشجية القديمة الأزلية حول العمر الذي يذهب والسنين التي تمر؟ فنحن ننتبه فجأة إلى أن الأيام قد مرّت وأننا كبرنا وبدأنا ننسى وأننا أثناء ذلك أسقطنا أو أهملنا أموراً كانت بالنسبة لنا كالماء والهواء، ثم وفي وهج الاندفاع اعتدنا أن نعيش من دونها حتى نسيناها أو على الأقل وضعناها جانباً دون أن ندرك ذلك.

زمن طويل مرّ بنا ونحن نعمل ونجتهد ونؤسس هذه الكيانات التي أصبحناها أخيراً، زمن طويل ونحن نتلقى التقدير والتكريم والمحبة والاحترام، كما تلقينا الصدمات وعشنا الإحباطات على حد سواء، هو العمر يمضي قاطعاً ما بين الضفتين وقد حمل لنا من هنا ومن هناك الكثير، ومنحنا ما نتمنى وأكثر أحياناً، لكنه أفقدنا أشياء أخرى جميلة كان لابد من فقدانها لنرى كل وجوه الحياة، فالأيام لا تمنحك حكمتها أو صلابتها دون أن تدفع ثمنها كاملاً!

Email