كما لم نعرفهم أبداً!!

ت + ت - الحجم الطبيعي

يلفت النظر في الكتابات الكثيرة التي تتناول حياة الشخصيات المشهورة مثل: كبار الكتاب، نجوم الغناء والسينما، الزعماء السياسيين، الفلاسفة والمثقفين أصحاب المواقف والنظريات ومن في عدادهم بشكل عام وجود مساحة رمادية في حياة هؤلاء لا يتفق عليها من يكتب سيرتهم أو من يتحدث عنهم بعد وفاتهم، هناك مساحة لا يعرفها أحد، ظلت بعيدة عن التداول أمام الآخرين، بحيث استطاع ذلك الشخص صاحب الشهرة الكبيرة أن يحتفظ بها لنفسه كسر لم يبح به لأقرب المقربين، كما لم يكتبه ضمن رسائله الخاصة أو مذكراته! والسؤال بطبيعة الحال: لماذا؟

لفتني ذلك العنوان البارز على غلاف مجلة فنية خلاصته «أم كلثوم التي لا يعرفها أحد» فهل لا يزال في سيرة وحياة «الست» مما يصح القول إننا لا نعرفه وبالتالي لا نعرفها فعلاً؟ ذلك أن السيدة أم كلثوم كانت من الشهرة والمتابعة ما جعل أصغر تفاصيل حركتها الاعتيادية في الحياة محل رصد وتوثيق.

كما أن عدد من صحبوها حباً وإعجاباً أو بسبب العمل والتدريبات، أو من لازمها وظل متعلقاً بها أو من تخصص في سيرتها وغنائها، هؤلاء كانوا كثيرين بحيث إن كل واحد منهم إن لم يمتلك كل الصورة، فإنه بلا شك امتلك جزءاً منها، فإلى أي درجة يمكن الوثوق المطلق بكمية المعلومات التي نظن أننا نمتلكها حول شخصية شهيرة بحيث إنها كافية فعلاً لجعلنا نعرف هذه الشخصية كما يجب؟

وفي الحقيقة فإنه وعلى مستوى شخصي صرف يستهويني أي حديث عن أي شخص من أصحاب الشهرة والقبول الجماهيري الواسع (كأم كلثوم، جمال عبدالناصر، نحيب محفوظ، تولستوي، سارتر، فيروز..) وكثير ممن في مستواهم وحظوتهم وشهرتهم والذين يهيأ للناس والجماهير أنهم يعرفونهم جيداً، وبأن هذا الشخص أو ذاك مكشوف تماماً أمامهم بسبب كم المعلومات المتداولة عنه.

بينما كثير من هذه الفكرة غير حقيقي وبحاجة لمراجعة، فهناك في حياة كل منا حقائق لم تقل بشكلها الصحيح أو قيلت بكثير من الحذر أو التغيير أو التجميل مجاملة لذلك الشخص أو خوفاً من نفوذه أو حباً فيه خاصة إذا تمت الكتابة عنه في حياته!

في الحقيقة لا أحد معروف كما نظن أو نعتقد، ولا شخص قبل فعلاً أو اختار أن يكون مكشوفاً أمام الآخرين إلا بالقدر الذي أراده هو، أو صوره لنا خيالنا الذي يريد أن يصدق إننا نعرف هذا أو ذاك، لأننا قرأنا عنه جيداً وبحثنا وتخصصنا في سيرته وحياته! أعتقد تماماً بوجود منطقة وهم رمادية فاصلة بين ما يسمح لنا شخص ما بمعرفته وبين الحقيقة الكاملة التي لا نعرفها تماماً!

 

Email