توصلت الصين والولايات المتحدة إلى اتفاق لخفض الرسوم الجمركية لمدة 90 يوماً، وذلك بعد مفاوضات عقدت في جنيف مقر منظمة التجارة العالمية، وبمقتضى الاتفاق ستخفض واشنطن الرسوم الجمركية على السلع الصينية من 145 % إلى 30 %.
بينما ستخفض بكين الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية من 125 % إلى 10 %، وستستمر مفاوضات الطرفين على هذه القاعدة.
ويمكن الاتفاق بين الصين والولايات المتحدة الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية من مهلة «للتنفس»، بعدما خيم شبح انقياد الجميع إلى حرب تجارية مدمرة للجميع.
ويبدو أن مواقف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تتداعى تباعاً أمام واقع الحقائق الاقتصادية ومصالح الدول، بما يؤكد أن العالم متعدد الأقطاب فعلاً، وأنه لم يعد محكوماً بإرادة القوة الواحدة والأعظم.
وسواء تعلق الأمر بالصين أو بأوروبا وكندا، فإن الأساس في ردود الفعل ضد مواقف وسياسات ترامب القاضية بالترفيع في الرسوم الجمركية على السلع الأجنبية كانت مصالح الأوطان.
ولم تكن أي دولة على استعداد للرضوخ إلى إملاءات الرئيس الأمريكي على حساب مصالح مواطنيها، وهو ما حمل ترامب على التراجع عن عدد من القرارات، التي رأى فيها الملاحظون أنها تنسف في العمق قواعد التجارة الدولية.
وتعنى منظمة التجارة الدولية بتنظيم قواعد التبادل التجاري بين الاقتصادات الرئيسية، من أجل سلاسة وحرية حركة السلع، وهي إلى جانب ذلك فضاء لحل النزاعات الناشبة بخصوص قضايا التجارة وتسويتها، غير أن الرئيس الأمريكي أعلن منذ رجوعه إلى البيت الأبيض بعد فوزه في الانتخابات، عن فك الارتباط بعدد من الأطر والمنظمات الدولية، ومنها منظمة التجارة العالمية.
ويعتبر موديل التعاطي الصيني مع قرارات ترامب مثالاً يحتذى خصوصاً بالنسبة للدول التي تمتلك ورقات رابحة بين أيديها، لأن الشعار المحرك لكل مواقف قرارات ترامب «أمريكا أولاً وأخيراً»، كان من نتيجته اقتناع الإدارة الأمريكية بأن العالم يختزل في أمريكا.
وهو ما خلق وعياً مضاداً لدى الدول الأخرى بضرورة العمل بجد على تأمين مسافة أمان تجاه الولايات المتحدة، بما يضمن حريتها واستقلاليتها وسيادية مواقفها ومصالح مجتمعاتها.
والواضح أن الذي يحرك سياسة البيت الأبيض ومواقفه، هو الأزمة الاقتصادية الحادة، التي تعيشها الولايات المتحدة وليس انتعاشة اقتصادها، وهو ما يدفع إلى الاعتقاد بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو في واقع الأمر في رحلة البحث الدائم عن مخارج للخروج باقتصاد بلاده من واقع الأزمة.
وذلك باستعمال الوسائل المتاحة لديه، أي المكانة الاعتبارية للولايات المتحدة الأمريكية في العالم، ومنطق القوة أداة فعالة في المفاوضات، والترهيب عند الاقتضاء.
ورحلة البحث الدائم عن تحقيق مصالح بلاده من أجل محيط أمثل للاستثمار هي التي يبدو أنها في مرحلة أولى، دفعت ترامب إلى السعي «لوأد» كل النزاعات بقطع النظر عن الجذور التاريخية والجيوسياسية لهذه النزعات، بما يجعل من جل الحلول المقترحة حلولاً مفتعلة، وغير قابلة للصمود أمام ثقل وحجم وتداخل وتاريخ هذه النزاعات.
ونفس رحلة البحث الدائم عن الحلول هي التي تقود تحركات ترامب على مستوى دولي، ومنها جولته الخليجية الحالية التي تشمل، السعودية وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة في الفترة بين 13 و16 مايو الجاري.
ونعتقد جازمين أن السياق الجيوسياسي لجولة ترامب الجديدة يختلف في العمق مع سياق زيارته إلى المنطقة خلال عهدته الرئاسية الأولى، فعلاوة عن أن الإطار العام للجولة هو عالم متعدد، وفي قطيعة تدريجية.
ولكنها ثابتة، مع القطب الواحد وهو لذلك يشهد مخاضات كبرى ليس أقلها ولادة مجموعة «بريكس»، فإن الثابت أيضاً أن دول المنطقة تتصرف وفق قاعدة الربح مقابل الربح، وهو الأساس في علاقات الشراكة، بعيداً عن أي تبعية أو انصياع.
وثالث هذه العوامل هو أن جولة ترامب تأتي في سياق إقليمي يتميز بوحشية تعاطي الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين ناتنياهو مع الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، وهو ما يخفف بعض الضغط على دول المنطقة، وبالإمكان حتى قلب موازين القوى تماماً.
إن ترامب في حاجة ماسة إلى إمكانات دول المنطقة، ومن المستبعد أن ينال مراده دون مقابل يخدم مصالح دول المنطقة، ومصالح شعوبها.