القيم الفارغة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يأتي الصغار من مدارسهم كل يوم وفي جعبتهم العديد من الحكايات والشكاوى حول الأمور التي استوقفتهم أو ضايقتهم في نهارهم المدرسي، أو أثارت مخاوفهم، فيسارعون للحديث حولها مع والديهم، وغالباً ما تتولى الأم حل هذه التشابكات وتوضيح الاستفهامات التي ستشكل فيما بعد بدايات أسئلتهم الوجودية، وأسئلة الوعي بلا شك!

تقول سارة لوالدتها إن صديقتهم (...) التي معهم في الفصل تعاملهم بطريقة مزعجة، لقد كررت سارة كلمة (مزعجة) أكثر من مرة، وهي تروي لوالدتها ما تفعله الصديقة المذكورة، حيث لا تتوقف عن تذكيرهم بأن لديهم أكثر من سيارة في البيت، وأنهم يسافرون لأوروبا في كل إجازة تحظى بها هي وإخوتها، وأن أدواتهم المدرسية لا تشبه ما يستخدمه البقية، لأننا (تقول الصديقة المزعجة) لا نشتري لوازمنا من هنا، نحن نحضر كل احتياجاتنا من سويسرا!

وتقول سارة لوالدتها كذلك، إن لديهم صديقة ممتازة ومجتهدة، قالت لهم إنها ستنتقل لمدرسة أخرى ليس فيها بنات ينظرن لصديقاتهن من (فوق) مكررات طوال اليوم: نحن لدينا، ونحن نقدر، ونحن عندنا، وأنتن ليس لديكن، ولا تملكن، ولا يمكنكن أن تكنّ مثلنا!
تخيلوا أن يتحدث الصغار في المدرسة بهذه اللهجة، وينشأوا في بيوتهم على هذه الثقافة، وهذه النظرة (الفوقية) لأنفسهم و(الدونية) للآخرين؟ كيف يمكن أن يكونوا عندما يكبرون، وينضمون لمؤسسات العمل، والأخطر، إذا تمكنوا من وظائف يقيّمون فيها الآخرين ويحكمون على مؤهلاتهم وإمكانياتهم تمهيداً لتوظيفهم؟

كيف يمكن للأهل في زماننا هذا، ورغم كل ما نعيشه وما يمر به العالم، أن يغرسوا في عقول صغارهم مثل هذه القيم البعيدة عن القيم والأخلاق، المدججة بالفوقية والعنصرية، التي لا تمت للإنسانية بصلة، بينما نحرص في مدارسنا على إعلاء الحس الإنساني لديهم؟
ماذا يتوقع الآباء الذين يظلون طوال النهار يتباهون بممتلكاتهم وأسفارهم وعلاقاتهم أمام أعين الناس عبر صفحات السوشال ميديا أن تكون نتيجة ذلك يا ترى؟ غير هذا النوع من النواتج الأخلاقية الرديئة بكل المعايير؟ إنها قيم التظاهر والتفاخر الفارغ التي تفرغ الإنسان من كل معانيه وإنسانيته وتحصره في ماديات تافهة؟

Email