العمل التطوعي .. قيمة دينية ووطنية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تختلف وسائل المشاركة في النهوض بالمجتمع، فهي في مجملها عبارة عن جهود، سواء كانت فردية أو جماعية تتكامل لتشكل دعامة أساسية من دعامات بناء المجتمع وتطويره والرقي به، وتشكل أيضًا مزيجًا مركبًا يعمل على ربط المجتمع بروابط وأواصر قوية من التلاحم والتعاون، وتنشر فيه ثقافة التكافل الاجتماعي بين أفراده.

ويعد العمل التطوعي إحدى الدعامات القوية التي تعمل على جعل المجتمع مجتمعًا متماسكًا اجتماعيًّا وإنسانيًّا تسوده مظاهر المحبة والألفة والإخاء والتعاون والتكافل الاجتماعي، يحرص كل فرد داخل المجتمع على خدمته وخدمة أفراده، حيث يكون المحرك الأول لهذا العمل الإنساني الكبير هو الرغبة الذاتية في إسداء الخدمات وبذل الجهود نحو المجتمع، خاصة وأن الفرد حين يقدم على عمل الخير لا يهدف إلى الكسب المادي أو التربح، وإنما يسعى من خلال عمله هذا إلى التعبير عن انتمائه الوطني، وتنمية هذا الشعور بتحمل المسؤوليات المترتبة عليه نحو مجتمعه وأفراده، بالحرص على أداء واجباته ورعاية حقوقه، فيصل شعوره بوجوده وبفاعليته داخل مجتمعه إلى درجاته العليا، لا سيما إذا كان ما يسديه من خدمات عبر عمله التطوعي يتضمن تلبية احتياجات إنسانية أو اجتماعية أو صحية، ما يولد لديه إحساسًا بالثقة وبأنه فرد إيجابي.

إن العمل التطوعي بخلوه من صفات الربح والتكسب ومن صفات الرياء والنفاق، قد لعب دورًا كبيرًا في قيام المجتمعات ونهوض الحضارات، بالإضافة إلى أن تعدد صوره وأشكاله وبساطتها هما الروح التي تسري في جسد هذا العمل الإنساني خاصة إذا ما علمنا أنه يبدأ من تلك المفاهيم المعبر عنها بالعادات والتقاليد التي تدعو إلى مساعدة المحتاج والفقير والوقوف إلى جانب أفراد المجتمع في الأفراح والأتراح والسراء والضراء، وتتفاوت صور العمل التطوعي فقد تكون بجهد عضلي أو مهني أو بتبرع مالي وغير ذلك.

إن مجتمعنا العماني ينضح بالعمل التطوعي وبتعدد صوره وتهافت أفراد مجتمعنا على بذل النفس والمال من المجتمع وأفراده، فقد أثبتت صروف الزمان وتغيراته أصالة معدن الإنسان العماني، وأن جيناته مشبعة بالقيم الإنسانية والمواقف الخيرة التي تعبر عنها تلك الصور المتعددة للعمل التطوعي، ولعل الأنواء المناخية الأخيرة التي مرت بها بلادنا خير معبر عما يتحلى به مجتمعنا من رغبة وحرص على العمل التطوعي والتكافل الاجتماعي.

وتأصيلًا لهذه القيم النبيلة وتتويجًا لها جاء الإعلان عن مسابقة جائزة السلطان قابوس للعمل التطوعي، والتي بلا شك تعبر عن مدى الاهتمام الذي يبديه حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ برفد مظاهر التكافل الاجتماعي وتشجيعها، إذ الغرض من هذه المسابقة ليس الجائزة، وإنما تعزيز هذه الثقافة وازدياد رقعة انتشارها، بحيث تشمل الجميع صغارًا وكبارًا، شيبًا وشبابًا، ذكورًا وإناثًا، وصولًا إلى الهدف الأكبر والأسمى الذي يحثنا على تحقيقه ديننا الحنيف وهو تماسك المجتمع العماني وتمتين أواصر المحبة والتعاون والألفة ونشر مظاهر الإخاء والمشاركة الجماعية، وشعور كل فرد بدوره وقيمته.. ونظرًا لوجود الكثير من الراغبين في التقدم لنيل شرف الفوز بهذه الجائزة، سواء على مستوى الجمعيات والمؤسسات والأفراد، قررت وزارة التنمية الاجتماعية ممثلة باللجنة الرئيسية المشرفة على المسابقة تمديد فترة تقديم المشاريع حتى الـ31 من شهر سبتمبر المقبل وذلك لإعطاء المزيد من الوقت أمام الراغبين في التقدم وتقييم مشروعاتهم .

إن العمل التطوعي مجال واسع حيث يتيح الفرص لمعالجة قضايا اجتماعية وثقافية واقتصادية كثيرة، ولذلك فإن استثمار الشباب طاقاتهم في هذا المجال وجني خيري الدنيا والآخرة عمل لا يضاهيه عمل آخر، لا سيما وأنه دليل على معاني الانتماء والولاء للوطن، بدلًا من إفراغ الطاقات وقتل أوقات الفراغ في قضايا وأمور تتنافى مع تعاليم ديننا وقيم المواطنة والانتماء والولاء.

 

Email