سئل حكيم عربي قديم عن رأيه في ثوب احتار في كيفية لبسه فقال : صنع لي زيد قباء ...ليت عينيه سواء ، ولأن زيدا صانع القباء كان بعين واحدة تهرب الحكيم من إعلان رأيه صراحة في صناعة زيد للثوب الغريب , وترك للسامع أن يفهم المقصود على طريقته ما إذا كان مدحا أو هجاء وسرت منذ ذلك الموقف مقولة : المعنى في بطن القائل (أو الشاعر) هذا الموقف الملتبس على الفهم والذى يدل على براعة التهرب من اتخاذ موقف محدد من قضية مانجده ماثلا أمام الأعين حينما يصرح مسؤول دولي تصريحا حول القضية الفلسطينية ' إذ نجده يحرص على أن يقول كلاما ملتبسا يحمل اكثر من وجه واكثر من دلالة .

فهو لا يريد أن يقول ما يغضب احد الاطراف أو ما يرضيه ويغضب خصومه الذين لديهم "مصالح" لابد من مراعاتها وعلى هذا النهج سار وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه أمس عندما قال أمام مجلس العلاقات الخارجية الأميركي المعروف بولائه لإسرائيل إنه يخشى من (انفجار العنف) في الشرق الأوسط باعتزام الفلسطينيين التقدم بطلب إلى الأمم المتحدة يوم الجمعة القادم لقيام دولتهم والاعتراف بعضويتها الكاملة في المنظمة الدولية .

ويضيف جوبيه (الوضع القائم غير مقبول ولا يطاق) , مطالبا بعودة المفاوضات الثنائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين وذلك جريا في مضمار إسرائيل وأنصارها بمن فيهم الامانة العامة للأمم المتحدة وحتى البنك الدولي . فكل المنظمات والهيئات الدولية الكبرى تعبر عن رأي إسرائيل بأن من الخطأ اللجوء للمنظمة الدولية لحل القضية على أساس الدولتين المعترف به كأساس للحل النهائي للقضية الفلسطينية ووقف الصراع العربي الإسرائيلي .

طبعا لا جوبيه ولا ممثلي الهيئات الدولية يصرح بوضوح من هو المتسبب في نشوء العنف الذي نشأ بالفعل مع قيام دولة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية ' وإن كان هذا الضيق الذى يشعر به جوبيه والسائروين في فلك إسرائيل سببه لجوء الفلسطينيين إلى قناة الشرعية الدولية لطلب الحل فعليه ' وعليهم أن يكونوا صادقين مع أنفسهم ويقولوا ذلك علانية لكنهم يراوغون إذ يعلمون أنهم واقعون في مأزق كبير بين جشعهم إلى الأموال العربية ' وخوفهم من عقاب التيار الصهيوني الجارف في الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي خاصة .

وأمام هذا الموقف المتكرر من جانب أنصار إسرائيل فلا مندوحة من التوجه إلى الجانب الآخر (العرب ) بالتساؤل عن سبب كل هذا التحفظ في مساندة التوجه الفلسطيني على مستوى العواصم العربية وليس جامعة الدول العربية ..

فإذا كانت نيويورك هذه الايام تعج بقادةإسرائيليين ومساندين لهم فكم زعيم عربي قرر التوجه إلى نيويورك لدعم القرار الفلسطيني حتى دعوة الفلسطينيين إلى اعتبار يوم الجمعة المقبل يوما لمناصرة القضية الفلسطينية لم يجد الحماس المناسب وثمة خشية أكيدة من أن ينطبق موقف الحكيم العربي القديم من صانع القباء هو ذاته موقف الخلفاء من حكماء العرب إذ لا يرغبون في مدح الصانع أو هجائه ويفضلون تلك المنزلة بين المنزلتين .