أحداث مهمة شهدها ديسمبر الحالي، جددت الحديث حول ضرورة تعزيز مفهوم أمن الخليج. ومن أهم هذه الأحداث قمة مجلس التعاون لدول الخليج التي انعقدت في أبوظبي، حيث جاءت الملفات الأمنية على أجندة جدول أعمال القمة، وقبلها بيومين كان مؤتمر حوار المنامة الذي عقد في البحرين، وهو حوار يتعلق بمناقشة قضايا أمن الخليج بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى اجتماع مجموعة (5+1) وإيران في 7 ديسمبر، وهو ما يعرف بمؤتمر جنيف، وذلك لمناقشة الملف النووي الإيراني وتداعياته على الأمن في المنطقة.

لم يغب ملف أمن الخليج في يوم من الأيام عن إدراك صانع القرار الخليجي، حيث يعتبر هذا الملف بالدرجة الأولى هو الهاجس الذي يؤرق دول الخليج باستمرار، ويشغل جزءاً كبيراً من سياستها الخارجية ويحدد طبيعة تحالفاتها الدولية، كما يستنزف قدراً كبيراً من ميزانياتها السنوية.

وقد جاءت أحداث مهمة هذه السنة، لتضيف على هذا الهاجس الأمني هواجس أخرى تزيد من أرق هذه الدول، فتسريبات ويكيليكس الأخيرة قد تكون إشارة ضمنية موجهة من الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الاستراتيجي والأمني المهم لدول الخليج، إلى هذه الدول مفادها التقليل من الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية في مجال الحماية والدفاع.

فالخدمات الأمنية الأمريكية لم تعد كما كانت في السابق، خاصة في ظل تداعيات الأزمة المالية الأخيرة وانعكاساتها السلبية على الاقتصاد الأمريكي، بالإضافة إلى إعلان الولايات المتحدة انسحابها في عام 2011 من العراق. فهذه القرارات الإستراتيجية تجعل دول الخليج تبحث بطريقة أكثر جدية وعملية لتعزيز مفهوم أمنها.

في الواقع هناك بعض الخطوات التي اتخذتها دول الخليج في الفترة الأخيرة، وتعتبر تحولات مهمة في مجال أمن الخليج، ومن أهمها:

أولاً، قيام دول الخليج بتنويع وتوزيع مصالحها مع أكثر من قوة دولية، وبالأخص تلك التي يمكن أن تتحول مستقبلاً إلى قوة دولية قد تعيد العالم إلى فترة ثنائية الأقطاب، ولعل من أهم تلك الدول الصين وبعض مجموعة الدول الأوروبية، وهذا ربما يفسر اتجاه بعض دول الخليج (الإمارات، قطر، البحرين، الكويت) لعقد اتفاقيات أمنية مع مجموعة حلف الناتو.

ثانياً، توجه دول الخليج نحو تبني البرامج النووية، تلك البرامج التي أعطيت الضوء الأخضر للخوض في غمارها منذ عقد قمة مجلس التعاون عام 2006 في الرياض، ولكن بدلاً من أن يكون هناك برنامج نووي خليجي مشترك، اتجهت كل دولة خليجية على حدة لتنفيذ برنامج خاص بها، ولكن هذا لا يمنع وجود تنسيق مشترك أكدت على ضرورة وجوده القمم الخليجية الأخيرة.

وقد صرفت دول الخليج ما يقارب 40 مليار دولار للاستثمار في المجال النووي وإقامة مفاعلات نووية، كما تعمل على تأهيل كوادر بشرية محلية، وذلك بإرسال بعثات طلابية لتلقي العلوم اللازمة في هذا المجال، وتسعى إلى بناء شراكات إستراتيجية مع الدول الفاعلة في مجال الطاقة النووية.

تهدف دول الخليج من وراء ذلك إلى تعزيز توازنها المعرفي في مجال الطاقة النووية، وهي رسالة إقليمية توجهها في المنطقة، فالطاقة النووية وإن اكتسبت الطابع السلمي، وهذا ما تذهب دول الخليج لتأكيده باستمرار ولا يوجد هناك أدنى شك في توجه دول الخليج السلمي في هذا المجال، إلا أن الطاقة النووية تعتبر كذلك ذات أهمية عسكرية ودفاعية مهمة في رسم سياسات الأمن في المنطقة، وتضيف إلى محددات الأمن خاصة الداخلية أبعادا غاية في الأهمية لا يمكن لدول الخليج تغافلها، خاصة في الوقت الحالي.

ثالثاً، الاهتمام بتحقيق مفهوم التنمية المستدامة في مختلف جوانبها الإنسانية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، باعتبارها صمامات أمن داخلية مهمة، وهذا ما ذهب إلى تأكيده سمو الشيخ عبد الله بن زايد وزير خارجية دولة الإمارات، في كلمته التي ألقاها في حوار المنامة مؤخراً.

حيث جاءت كلمته لتأخذ هذا المنحى الأمني الداخلي، فتحدث عن قضايا الشباب وتمكين المرأة وتحقيق التنمية والانفتاح وتعزيز المشاركة، باعتبارها موضوعات مهمة لا بد لصانع القرار أن يضعها نصب عينيه في سعيه لتعزيز مفهوم الأمن.

كما جاءت قمة أبوظبي الأخيرة لتعلن عن افتتاح مكتب حقوق الإنسان لمجلس التعاون ضمن جهاز الأمانة العامة، والذي يختص بالعمل على إبراز ما حققته وتحققه دول الخليج من إنجازات في هذا المجال.

وهذه خطوة جديدة ومهمة في الوقت نفسه وتحسب لمجلس التعاون، فالاهتمام بقضايا الإنسان وحقوقه، خاصة في ظل الانفتاح الاقتصادي وما صاحبه من استقدام عمالة بشرية هائلة تشكل قنابل موقوتة على أمن المنطقة.

إذا، موضوع الأمن في الخليج موضوع ليس جديدا أبداً، فهو موجود وصاحب قيام وتأسيس دول الخليج الحديثة نسبياً، حيث ظهر الكثير من الرؤى والسيناريوهات طوال فترة العقود الماضية، ولكن الجديد في هذا الموضوع هو البحث دائماً عن حلول أمنية.

فبدلاً من الاعتماد على التسلح الذي استنزف الكثير من قدرات دول الخليج المادية، بدأت في الفترة الأخيرة تظهر حلول جديدة تواكب المتغيرات الدولية والتنموية، وهذا ما بدأت دول الخليج تركز عليه في الآونة الأخيرة، ولعل فوز قطر باستضافة مونديال العالم 2022، لخير دليل على ذلك..

كاتبة إماراتية