تجتمع القلوب والعقول والأرواح اليوم للاحتفال بعيد الجميع، عيد الصغار والكبار، عيد النساء والرجال، عيد المواطن والمقيم، الكل اليوم يعيش حال احتفال وابتهاج، وحُقّ لكل واحد منّا ذلك، ففي مثل هذا اليوم أثبتت إماراتنا أن الاتحاد ليس حلماً فقط، بل واقعاً يمكن أن يولد في أي لحظة، بإرادة جماعية فولاذية.

ويكبر ويعيش تسعة وثلاثين عاماً، إذا كان تحت قيادة فذة، تحمل بين جنباتها صفات استثنائية، كتلك التي حملها مؤسس الاتحاد وقائد مسيرته، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ؟رحمه الله وطيّب ثراه-، الذي لن يُنسى ولن يغيب عن القلوب مهما مضت السنون وتعاقبت الأيام.

لا أعرف هل يمكن أن ينفصل الكلام في مثل هذه المناسبة عن الكلام عن مؤسس ما نحتفل اليوم بذكراه التاسعة والثلاثين؟

هل يمكن ألا يكونا ؟المناسبة والمؤسس- كينونة واحدة غير قابلة لأن نفصل بينها حتى بالحديث أو بالكتابة؟ لا أظن ذلك، وإلاّ لكان الحديث عن المناسبة دون ذكر مؤسسها بهذا الإلحاح أمراً هيناً، لكنه ليس كذلك إطلاقاً، فليعذرني القارئ.

حين نقف على أعتاب هذه المناسبة، ونفكر قبل أن نلج أجواءها وتغمرنا فرحتها الخاصة التي تكتسي بها القلوب في يوم الثاني من ديسمبر بالتحديد على نحو مختلف عن أي يوم آخر، لا بد أن نفكر في كيفية تحول هذه المنطقة من العالم من عوالم الصحراء المنسية إلى عوالم العمران والسياسة والاقتصاد العالمي على نحو مخطط ومدروس.

وكل خطوة فيها مبنية على عدة آلاف من الخطوات السابقة التي تغوص في عمق الزمن، إلى الحد الذي أصبحت فيه دولتنا محطّ أنظار الآخرين على اختلاف اهتماماتهم، وأضحت قبلة يؤمها القاصي والداني طمعاً في التنعّم بخيراتها التي لا تبخل بها على قريب أو غريب.

وهي مع ذلك بلغت مبلغاً من قوة الحضور على أصعدة مختلفة، بحيث أصبحت تناطح غيرها وتنافسهم فيما كان لهم سبق وريادة فيه، لكنها كسرت حاجز الزمن الذي تُقاس به عادة أعمار الأمم والحضارات، وأصبح المقياس معها هو سرعة الإنجاز وجودته في آن.

حين نفكر في كل هذا، وكيفية تحققه لنا دون غيرنا من الشعوب القريبة والبعيدة، في زمن نراه طويلاً من جهة، وقصيراً من جهة أخرى، لا نجد إلا سببا واحدا، يتمحور في «القيادة»، فالسفن لا تصل إلى الموانئ البعيدة لأن بناءها قوي ومحكم فقط، أو لأنهم جهزوها بأفضل المعدات وأغلاها ثمناً، أو لحجمها سواء كان صغيراً أو كبيراً، بل تصل بحسن قيادة ربّانها.

وحنكته في التصرف مع الظروف الجوية المختلفة بما يحفظ سلامة الركاب، وحكمته في التعامل مع أنماط بشرية مختلفة مجتمعة في مكان واحد وزمان واحد، وتعيش في وضع مشترك يعمّ الجميع، ولا بد أنـ يكون الجميع على قدر المسؤولية فيه.

ولكن التوجيه من قِبَل الربّان أمر ضروري ولا غنى عنه. وهذا ما تحقق منذ بداية الاتحاد، حين استلم رايته وقاد سفينته الشيخ زايد رحمه الله وطيّب ثراه؛ فقد كان يتصف بصفات يندر أن تجتمع في إنسان واحد، من مثل: الحِلْم والحكمة، والجرأة والشجاعة، مع رجاحة العقل وسداد الرأي، وإلى جانب هذه الصفات كان يتصف ؟رحمه الله- بالرحمة والعفو، والعطف على الجميع،..

هي جملة صفات بشرية نجدها متفرقة في أشخاص متفرقين، لكننا لا نجدها مجتمعة في إنسان واحد إلا نادرا، وحين تجتمع في إنسان واحد تحيله كائناً نورانياً يضيء بنوره كل درب يسلكه، فيترك فيه بصمة تشهد بأنه مرّ من هذا المكان، ويترك أيضا آلافاً، وربما عشرات الآلاف من الأفواه التي تلهج بالدعاء له، ويزرع له ؟دون أن يشعر- في كل قلب عرفه ورآه أو حتى سمع عنه، محبة صادقة لا تزول ولا تخبو جذوتها مع مرور الزمان.

ليس من السهل أبدا على أي قائد أو حاكم أن يحظى بإجماع الجميع على محبته، وتحقق مثل هذا الأمر يمكن أن يُعدّ هبة ربانية يمنحها الله لبعض عباده، وإذا أحب الله عبداً حببه إلى الناس، لذلك لا يزال زايد موجودا بيننا، حاضرا في قلوبنا، نذكره في كل مناسبة عامة أو خاصة، وليس ذلك لأن آثاره وبصماته تحيط بنا أينما يممنا أعيننا فقط، بل لأن أكبر أثر تركه هو محبتنا له، وهو أمر يسكن أعماق قلوبنا، ويشاركنا هواءنا الذي نتنفسه.

وهو حاضر أيضا بأبنائه الذين يسيرون على خطاه وعلى رأسهم قائد المسيرة من بعده صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، الذي حرص على إكمال بناء الصرح الذي وضع أساسه الشيخ زايد رحمه الله، فكان خير خلف لخير سلف.

كل عيد والإمارات بخير، كل عيد والإمارات لنا، وكل عيد والإمارات كما أرادها زايد الخير أن تكون، حرة مشرقة بهية، ونجمة متلألئة ترفل في أثواب العز والفخر.

جامعة الإمارات

sunono@yahoo.com