شارك وزير خارجية دولة الإمارات سمو الشيخ عبدالله بن زايد في اجتماعات قمة لشبونة المنعقدة في البرتغال الأسبوع الفائت، وتأتي مشاركة الإمارات في اجتماعات القمة في إطار العلاقات الاستراتيجية التي تربط الإمارات بحلف الناتو.

والتي تنبع في الواقع من إطارين، الإطار الأول المتمثل في مشاركة الإمارات ضمن قوات (إيساف) العاملة في أفغانستان والتي يعتبر الناتو منذ عام 2004 المسؤول عن قيادتها، وهي القوات التي أنشأها مجلس الأمن والمسؤولة بالدرجة الأولى عن المحافظة على الأمن والتنمية في أفغانستان، وكانت دولة الإمارات من أوائل الدول العربية والإسلامية التي شاركت في هذه القوة الدولية وذلك في عام 2003 بعدد أفراد يصل إلى أكثر من 1200 عنصر.

أما الإطار الآخر فهو انضمام دولة الإمارات إلى ما يسمى بمبادرة اسطنبول للسلام، وهي مبادرة أطلقت عام 2004 وذلك في إطار الفلسفة الاستراتيجية الجديدة التي يسعى الناتو إلى تفعيلها في الوقت الراهن والقائمة على مبدأ الشراكة الاستراتيجية مع دول كثيرة في العالم.

هذا التحول في فلسفة الناتو يأتي في إطار ما يسمى بمفهوم الحفاظ على البقاء، فبعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفييتي برز سؤال يدور حول الجدوى من بقاء الناتو خاصة إنه تأسس في ضوء الحرب الباردة الدائرة ما بين المعسكرين الغربي والشرقي، لكن الأوروبيين حاولوا الاتفاق على صناعة عدو جديد يضمن لهم البقاء والاستمرار فكان الإرهاب وهذا ما عبروا عنه في الاستراتيجية التي تم إطلاقها عام 1989.

وبعد أحداث سبتمبر تم تطبيق هذه الاستراتيجية بشكل عملي خاصة عندما أعلنت الدول الثماني الكبرى مبادرة لحماية أمن واستقرار دول مجلس التعاون وفي إطار تفعيل الاستراتيجية تم إطلاق مبادرة اسطنبول للسلام .

وذلك في أثناء أحد اجتماعات الناتو في تركيا، وتضم مبادرة اسطنبول للسلام أربع دول خليجية وهي الإمارات وقطر والبحرين والكويت في حين أن المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان رفضتا الانضمام لهذه الاتفاقية وذلك لأسباب أمنية وسياسية تتعلق بمضمون الأمن في هذه الدول.

فيما يتعلق بالإطار الأول الذي يحدد علاقة الإمارات بالناتو وهو موضوع أفغانستان، فإنه محور مهم جداً في رسم العلاقة ما بين الجانبين؟ فالناتو ينظر إلى الإمارات باعتبارها شريكاً حيوياً واستراتيجياً في موضوع أفغانستان وخاصة فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي وإعادة إعمار أفغانستان وهذا ما عبر عنه حديث وزير الخارجية في قمة لشبونة، حيث أتى موضوع أفغانستان ليحتل الجزء الأكبر من خطابه الذي ألقاه في القمة.

وفي إطار هذا الاهتمام أعلن وزير الخارجية أن دولة الإمارات ستستضيف في 30 نوفمبر الحالي مؤتمراً دولياً للاستثمار في أفغانستان يهدف إلى جلب استثمارات عالمية طويلة المدى لأفغانستان، كما شاركت الإمارات في سلسلة الاجتماعات التي عقدت من أجل إعادة إعمار ذلك البلد في لندن وكابول وتركيا، فالإمارات إذاً شريك حيوي مع الناتو فيما يتعلق ببحث أوضاع الأمن والاستقرار في أفغانستان، ولا ينبع اهتمام الإمارات بأفغانستان من فراغ؟

فهي بالإضافة إلى كونها تنظر باهتمام إلى تحالفها مع الناتو في إطار رغبتها تنويع التحالفات الدولية والإقليمية، كذلك فإن عامل الاستقرار مهم جداً خاصة فيما يتعلق بتحقيق مفهوم الأمن الإقليمي في المنطقة والذي يعتبر جزءاً أساسياً من فلسفة السياسة الخارجية الإماراتية التي تعتبر تحقيق الأمن الإقليمي مرتكزاً أساسياً لتحقيق الأمن والاستقرار في الدولة.

أما الإطار الآخر الذي يرسم علاقة الإمارات بالناتو فهو موضوع مبادرة اسطنبول للسلام، والملاحظ أن الناتو مهتم جداً بهذه المبادرة، ففي خلال الأعوام السابقة حاول الترويج لها كثيراً من خلال العديد من المؤتمرات الدولية التي عقدت في الدول الخليجية المنضوية تحت هذه المبادرة وفي بعض المؤتمرات كان يحضر الأمين العام للحلف وذلك للتأكيد على مدى أهميتها.

وقد حاول الناتو من خلال الترويج لأهمية المبادرة أن يزيل أي لبس خاصة لدى النخب في الخليج حول مصالح الناتو أو أطماعه في المنطقة، فهو يروج لفكرة أن ليس لديه أي أطماع من وراء مبادرته هذه، وأن الهدف فقط هو مساعدة الدول الخليجية لكي تستطيع أن تساعد نفسها في أوقات الأزمات.

وذلك حتى يبعد عن نفسه مقولة الفيلسوف الإنجليزي جون لوك والتي كان يحلو لتشرشل أن يرددها دائماً، وهي «أن الشرطي الذي يتجاوز صلاحياته يتحول إلى قاطع طريق».

فالناتو عرض نفسه من خلال هذه المبادرة كمتجر حربي يوجد لديه العديد من الخيارات الأمنية والتي تستطيع الدول الخليجية أن تختار ما يناسبها دون أن يكون له أي آثار أو التزامات أمنية أو سياسية.

الأمر المهم أن هذه المبادرة تتعلق بمفهوم أمن الخليج والصيغة الأمنية التي اختارها الناتو للتعاون مع الدول المنضوية تحتها صيغة (26+1) وهو يعني أن توقع كل دولة خليجية مذكرة تعاون بمفردها مع الناتو، وهذا يعتبر أحد أوجه الاستفهامات الكثيرة التي حاولت كثير من النخب الفكرية والمتخصصة في الخليج أن تجد جواباً شافياً حوله خلال الفترة السابقة.

الموضوع المهم أن قمة الخليج لمجلس التعاون ستنعقد الأسبوع المقبل، فمهم جداً أن يطرح هذا الموضوع على قائمة أجندة المجلس، باعتباره موضوع أمني ويتعلق بمفهوم الأمن في منطقة الخليج، ومجلس التعاون بالدرجة الأولى قام على أساس مفهوم أمني، فأحرى بالخليجيين أن يتفقوا على صيغة مشتركة حول هذا الموضوع ويتقدموا بها إلى الناتو خاصة أن الناتو في طور إعداد وثيقته الاستراتيجية الجديدة لتحدد معالم الأمن في فلسفة هذه المنظومة.

كاتبة إماراتية

fmansouri78@hotmail.com