تشكل صادرات الأسلحة والمعدات الحربية الروسية شأنها في ذلك شأن قطاع النفط والغاز، الدخل الأكبر للدولة، حيث تنافس روسيا الآن الولايات المتحدة الأميركية على صدارة سوق السلاح العالمية.

وحسب تقديرات الأمم المتحدة لعام 2009 فإن روسيا تأتي بعد الولايات المتحدة في مبيعات السلاح في العالم، بينما حسب تقديرات معهد استوكهولم للدراسات الاستراتيجية فإن روسيا تتفوق على الولايات المتحدة في مبيعات السلاح من حيث الكم وليس من حيث العائد.

حيث تزيد أسعار السلاح الأميركي على قرينه الروسي بالضعف مرتين أو ثلاثاً، وأياً كان الأمر فإن تجارة السلاح أصبحت تحتل في روسيا المرتبة الثانية بعد النفط والغاز كمصدر لعائدات الدولة، ولدى مصانع السلاح الروسي عقود مستقبلية على السنوات الخمس المقبلة تقدر بنحو أربعين مليار دولار.

والهيئة الفيدرالية للتعاون العسكري ـ التقني التي يمر على تأسيسها عشرة أعوام في الأول من شهر ديسمبر المقبل، ترفد الميزانية الروسية كل عام بمبالغ مهمة نتيجة نشاطها في تصدير السلاح.

المطلع على تاريخ روسيا الحديث سوف يندهش عندما يرى أن روسيا تحولت خلال القرن العشرين فقط من أكبر مستوردي السلاح إلى أكبر مصدريه، فقد كانت روسيا قبل العام 1917 تستورد معظم أسلحتها.

وفي الفترة ما بين العامين 1878 و1917 استوردت من الولايات المتحدة الأميركية حوالي مائة سفينة حربية، وأثناء الحرب العالمية الأولى زود الأميركيون روسيا بطائرات حربية، وحوالي ستة آلاف مدفع ميدان وأكثر من 42 ألف رشاش، حتى المدافع الآلية الرشاشة التي تحتكر روسيا الآن أكثر من نصف سوقها العالمي بمدفعها الشهير «كلاشينكوف» لم تكن روسيا تنتجها عندها قبل الثورة البلشفية عام 1917، واشترت روسيا أثناء الحرب العالمية الأولى من فرنسا كميات كبيرة من الذخيرة والمدافع الثقيلة والطائرات.

وبعد ثورة أكتوبر تغير الوضع تماماً، وفاق التصدير الاستيراد في مجال الأسلحة. وفي عشرينات وثلاثينات القرن الماضي صدرت السلطة السوفييتية بنادق ومدافع وطائرات وأجهزة لاسلكي وغير ذلك من الأسلحة والمعدات إلى كل من الصين واسبانيا وتركيا وأفغانستان.

وفي كابول شيد بمساعدة الخبراء السوفييت مصنع لإنتاج البارود، وفي العام 1924 تأسست شركة «آرم تورغ» السوفييتية الأميركية المشتركة، فتسنى لروسيا شراء تراخيص لإنتاج بعض المعدات العسكرية. وشكل ذلك حافزاً جيداً لتطوير صناعة المكائن الوطنية.

وبعد الحرب العالمية الثانية انتشرت مصانع السلاح في أرجاء الاتحاد السوفييتي الذي اكتسب بصورة نهائية صفة مصدر أسلحة، وكان نصف الصادرات تقريباً يتوجه إلى دول أوروبا الشرقية وخاصة إلى بلدان معاهدة وارسو.

وكذلك إلى فيتنام والصين وكوريا الديمقراطية وكوبا ولاوس ومنغوليا ويوغسلافيا، وإلى بلدان الشرق الأوسط وإفريقيا. ومن المعروف أن موسكو كانت تبيع السلاح آنذاك لأغراض إيديولوجية، ولم تكن تسعى لتحقيق منفعة اقتصادية كبيرة؟

فالأمر كان عبارة عن استعراض للدعم الذي يتم تقديمه للدول السائرة على طريق التحرير الوطني، والدول التي تدور في فلك المعسكر الاشتراكي وبالمقابل كان المستوردون يتبعون سياسة موالية للاتحاد السوفييتي.

ومن المعروف أن الدولة السوفييتية كانت تحتكر هذا النوع من التجارة الخارجية وبدون وسطاء أو سماسرة خارجيين. وكان الوسيط الحكومي وما زال يلعب دوراً أساسياً في التعاون العسكري التقني مع الدول الأجنبية.

وفي 19 يوليو من عام 1998 تم سن قانون التعاون العسكري التقني لروسيا مع الدول الأجنبية الذي شكل الأساس لنظام تصدير السلاح المعمول به حتى أيامنا هذه. ويشار إلى أن روسيا كانت تتعاون مع أكثر من 60 دولة في المجال العسكري التقني في نهاية عام 2000، وتم توقيع اتفاقيات حكومية مع 25 منها.

ويتم تأمين احتكار الدولة لقطاع التعاون العسكري التقني عبر وسائل عدة وبخاصة عن طريق تراخيص تصدير واستيراد المنتجات ذات الطابع العسكري. كما وضعت تشريعات صارمة لتنظيم عمل مؤسسات الإدارة الحكومية المعنية بهذا المجال، بالإضافة إلى المنظمات العاملة في قطاعي تصميم وإنتاج السلاح.

وتعتبر الإجراءات المتبعة في روسيا لتنظيم هذا النوع من الصادرات الأكثر صرامة في العالم، ويوجه نقد للحكومة والكريملين من البعض في هذا الشأن، حيث يطالب البعض بمنح القطاع الخاص حرية في سوق تصنيع وبيع السلاح.

ولكن الكريملين يرى أن ظروف روسيا الحالية لا تسمح بهذا الآمر الآن، إن كان ممكناً ومحتملاً في المستقبل، ويقتصر اتخاذ القرارات المتعلقة ببيع وشراء السلاح أو باتفاقيات التعاون التقني العسكري على الرئيس أو الحكومة إلى جانب الهيئة الفيدرالية للتعاون العسكري التقني. ومن أبرز مهام هذه الهيئة في الوقت الحالي الإشراف والرقابة على صعيد التعاون العسكري التقني، والمشاركة في رسم وتنفيذ سياسة الدولة في هذا المجال.

وخلال عشر سنوات من عمل الهيئة تم توقيع اتفاقيات تعاون مع 40 دولة، واتفاقيات الحماية المشتركة لحقوق الملكية الفكرية مع 19 دولة، واتفاقيات الحماية المشتركة للمعلومات السرية مع 29 دولة.

وفي أيامنا هذه تواصل روسيا تعاونها العسكري التقني مع أكثر من 80 دولة، وتصدر الأسلحة إلى 62 بلداً من بلدان العالم، وتتصدر الهند والصين قائمة مستوردي السلاح الروسي ودخلت معهما مؤخراً فنزويلا وبعض البلدان العربية مثل سوريا والجزائر، وكذلك إيران التي يشكل السلاح الروسي أكثر من نصف تسليح قواتها العسكرية.

تصدر روسيا لسوق السلاح العالمي يحده التزامها بقواعد القانون الدولي، والتزامها بعدم المساس بتوازن القوى الإقليمي، وكما يقول رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين «تأخذ روسيا بالحسبان كل العوامل التي من الممكن أن تشكل خطراً على الأمن في المناطق التي تصدر إليها أسلحتنا. ونتخذ موقفاً منتبهاً جداً من توازن القوى القائم».

كاتب روسي

Luon1935@kin.ru