حظيت ما أطلق عليها مبادرة رئيس إقليم كردستان لحل أزمة تشكيل الحكومة العراقية بمبالغات إعلامية كبيرة في سقف التوقعات. فبين خيالات البعض الوردية المتفائلة وبين الواقع المر الذي يعيشه العراقيون شوط طويل ساهم في إطالته بُعد النخب السياسية عن المواطن وعزلة قياداتها عن الشعب بشكل يكاد يكون تاماً.

إذ لم تسهم الأحداث الدموية التي شهدها العراق مؤخراً في شحذ همة من يمتلك سلطة صناعة القرارات على تقديم طروحات تنهي حالة التأزم الشديد في العملية السياسية.

في ضوء هذه المبادرة عقد قادة الكتل السياسية اجتماعهم يوم الاثنين الثامن من نوفمبر الجاري في مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق لتحقيق اختراق سياسي طال انتظاره ليس في العراق فحسب.

وإنما في دول الجوار التي أصبحت حالة عدم الاستقرار في العراق مصدراً لقلقها. وتزامن هذا اللقاء مع ثلاثة تفجيرات في النجف وكربلاء والبصرة قتلت وجرحت العشرات من المدنيين.

جاء اللقاء محبطاً للغاية فقد كان بروتوكولياً محضاً كُرس لسماع كلمات ألقاها عدد من القياديين في العملية السياسية. لم نلحظ في ما ألقي من خطابات جديدة تدعو للتفاؤل ويسهم في كسر الجمود في الحياة السياسية، بل وجدنا فيها تكراراً للمواقف التي خلقت الأزمة وعمقتها.

إذ لم تجر في هذا اللقاء أية نقاشات حول القضايا الخلافية التي أصابت العملية السياسية بالجمود والشلل، ولم يسفر هذا اللقاء عن أي تقدم يذكر، الأمر الذي أثار أكثر من علامة استفهام حول مبررات الدعوة لعقده.

أربيل كان لها يوم واحد فقط إذ لم يعد هناك ما يقال، فقد قرر المؤتمرون بعد الجلسة الوحيدة التي عقدت والتي دامت زهاء ساعتين العودة إلى بغداد لاستئناف المفاوضات على مدى اليومين التاليين تمهيداً لعقد مجلس النواب جلسته يوم الخميس الموافق الحادي عشر من الشهر الجاري.

حمل المؤتمرون معهم جدول أعمال عرضه المستضيف لإقراره وجرى تعديله بعد اعتراضات قيادات الكتلة العراقية على حذف أربع فقرات طلبت إدراجها في وقت سابق.

لقاء أربيل عقد لممارسة الضغوط على الكتلة العراقية للقبول بمنصب رئاسة مجلس النواب، فالتحالف الوطني والتحالف الكردستاني قد حسما منصبي رئاسة الوزارة ورئاسة الجمهورية لصالحهما رغم التحفظ الأميركي على من يشغل المنصب الأخير.

ويبدو من مجريات الأمور أن فرص الكتلة العراقية للحصول على موقع متقدم في صناعة القرار قد تراجعت فقد رفض رئيس الوزراء إجراء أي تقليص في صلاحيات المنصب من منطلق أن ذلك يتطلب تعديلات في الدستور قد تستغرق وقتاً طويلاً لإنجازها مما يعطل العملية السياسية لفترة أخرى غير محددة، وهو بذلك يرفض، بشكل غير مباشر، صيغة حكومة الشراكة الوطنية التي يطرحها رئيس الكتلة العراقية.

الخلافات لا تزال كما هي بين الكتلة العراقية وبين التحالف الوطني، إلا أن تداعيات هذه الخلافات قد طرأ عليها تغيرات هامة مؤخراً، فقد تعززت مواقع التحالف الوطني بعد انضمام حزب الفضيلة وكتلة الوسط إليه وبعد توصله لعقد صفقة سياسية مع التحالف الكردستاني.

في مقابل ذلك تراجع دور الكتلة العراقية على مدى الشهور الأخيرة، فقد تنازلت أولاً عن استحقاقها الانتخابي في رئاسة الوزارة لصالح مرشح المجلس الأعلى الإسلامي.

وفشلت بعد ذلك في عقد تحالف واسع مع المجلس الأعلى الإسلامي ومع حزب الفضيلة ومع كتل سياسية صغيرة أخرى لتحدي التحالف الوطني كما سبق أن أعلنت عن ذلك، وأضاعت فرصتها في الحصول على منصب رئاسة الجمهورية حين راهنت بشكل غير مدروس على ثبات مواقف كتل سياسية أخرى.

وبدأ موقفها من عدم المشاركة في حكومة يرأسها المالكي بالاهتزاز والتغير كذلك، فليس من المستبعد أن توافق في النهاية على المشاركة في الحكومة الجديدة، رغم أن خيار الذهاب إلى المعارضة لم تسقطه من أجندتها خاصة بعد أن توصلت إلى قناعة بأن فرصها في فرض رؤيتها لمفهوم الشراكة الوطنية قد تضاءلت أو انعدمت.

لقد حان موعد الحسم ولم تعد سقوف الاستحقاقات الزمنية تسمح بالمزيد من التسويف والتجاوز وليس هناك في الأفق ما يدعو إلى التفاؤل، فالعراق ينحدر نحو المجهول وتوشك الخلافات بين النخب السياسية أن تنتقل إلى الشارع حيث يصبح من الصعب جداً التنبؤ بمساراتها.

في ضوء هذا التعقيد في العملية السياسية الذي زادته انعدام الثقة بين الفرقاء الذين عجزوا على مدى الأشهر الثمانية المنصرمة في الخروج من أزمة تشكيل الحكومة، تبرز من جديد أهمية العامل الخارجي للمساعدة على حسم الموقف وإنهاء الأزمة.

ولكن الجهود التوفيقية التي تأتي من بعض دول الجوار تصطدم بمعارضة شديدة من قبل هذا الطرف أو ذاك بسبب حساسيات أيديولوجية أو بسبب تدخلات سابقة أسهمت في الإضرار باستقرار العراق.

وفي ضوء واقع كهذا يبقى الفرقاء السياسيون أقل تحسساً من الدور الأميركي الذي بدأ يلقي بثقله على المشهد السياسي العراقي بقوة، سواء بالضغوطات التي يمارسها السفير الأميركي أو الضغوط التي يمارسها وفد رفيع المستوى من مجلس الشيوخ الأميركي وصل مؤخراً إلى بغداد برئاسة المرشح الجمهوري السابق للرئاسة الأميركية جون مكين، وذلك لأن الولايات المتحدة:

1. لا تنتمي إلى أحد أطياف المجتمع العراقي.

2. أكثر مقبولية لأن لها أيادي بيضاء على القوى المساهمة في العملية السياسية لأنها التي أطاحت بالنظام السابق وسهلت مهمة وصولهم إلى مواقع المسؤولية.

3. لها موقع متميز في الخارطة السياسية العالمية يتيح لها مساومة المعنيين من الفرقاء العراقيين على قضايا ذات مساس هام بمستقبل العراق، فهي القادرة على إخراج العراق من أسر الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي جرد العراق من سيادته ووضعه في حضانة المنظمة الدولية وتحت وصايتها.

4. لها من النفوذ ما يمكنها من التأثير على الدول التي ترفض حتى الآن إلغاء ديونها الثقيلة على العراق.

5. لها أوراق كثيرة تستطيع استخدامها في تسقيط بعض الأفراد أو الفئات المشاركة في العملية السياسية.

6. لها مصالح في نجاح العملية السياسية بالعراق.

إننا نشهد الشوط الأخير في السباق نحو المناصب، فهل سنحتاج إلى شوط إضافي آخر، أم أن الضغط الأميركي سيساعد على حسم الموقف بشكل نهائي؟.

كاتب عراقي

majamal@emirates.net.ae