الجدل الدائر حول استحواذ عدد من الشخصيات الإعلامية المصرية على صحيفة «الكرامة» ليس إلا الحلقة الأحدث في سلسلة انتقال ملكيات الصحف وتغيير توجهاتها وطاقم تحريرها.. قبله بأسابيع قليلة احتدمت الساحة الصحافية والسياسية بسبب انتقال ملكية صحيفة «الدستور» وإقالة رئيس تحريرها ودخول المحررين المتحزبين له اعتصاماً بمقر نقابة الصحافيين المصرية.. وتم اعتبار الأمر تضييقاً على الحريات.

وانتقال ملكية الصحف في مصر ليس جديداً، فقبله انتقلت ملكية «صوت الأمة» من ورثة مؤسسها عدلي المولد (وهو صاحب توجهات وفدية) إلى عصام إسماعيل فهمي مالك «الدستور» القديم، وفي لحظة من اللحظات كان عبد الحليم قنديل (وهو ناصري حتى النخاع) رئيساً لتحريرها، كما انتقلت ملكية «الزمان» من مؤسسها حسين الشاعر (وهو مسؤول سابق بصحيفة الأهرام وصاحب توجه قريب للسلطة) إلى رجال الأعمال الجدد وتغير اسمها إلى «المصري اليوم».

ونفس الأمر يحدث في الصحف الحزبية، ولكن تحت ستار اللوائح والقوانين، إذ يمكن نقل الحزب بما يملكه من إصدارات صحافية من مجموعة إلى أخرى حسب ما تراه الجهات النافذة في السلطة.

انتقالات ملكية الصحف ربما أصبحت الطريق الوحيد للحصول على ترخيص جاهز وعادة لا يفوز بها إلا أصحاب الأموال من رجال أعمال أو إعلاميين تمكنوا من جمع ثروات، أما الإعلامي الذي لا يملك غير مهنته، فعليه الانتظار شهوراً طويلة وربما سنوات ريثما تنتهي الإجراءات البيروقراطية الطويلة التي تحكم تراخيص الصحف.

وكما أن انتقال الملكية له مزايا، فإنه يتسبب بمشاكل، إذ يحس العاملون في المطبوعات غير الحكومية أنهم يسيرون في رمال متحركة لا يدرون ماذا يأتي به الغد القريب ليس فقط في توجه صحيفتهم وإنما في رواتبهم الشخصية ودخولهم المعيشية.

في مصر يغري الجو العام المتاح أن تنشر الصحف مالا تنشره غيرها من الصحف العربية من وقائع فساد أو تجاوز على القانون، لكن مهما ارتفع السقف يظل المهني حالماً بتجربة لا سقف لها، خاصة أن الجيل القيادي في الصحافة اليوم تفتح وعيه السياسي في زمن صحافي مبهر، ففي النصف الثاني من السبعينات تحررت مصر من تراثها الرقابي بحق وسائل الإعلام المطبوعة.

ففي خضم الحراك السياسي وتقسيم مجلس الشعب إلى منابر ثم تحويل المنابر إلى أحزاب وتم إطلاق الحريات الصحافية وسمح لكل التيارات بأن تعبر عن نفسها عبر مطبوعات، فصدرت مجلة «الدعوة» عن جماعة الإخوان، كما صدرت مجلة «الطليعة» الناطقة بلسان قوى اليسار، وبين التوجهين (أقصى اليمين وأقصى اليسار) كانت للأحزاب صحفها التي لم تكن تخشى العصف بها.

لكن هذا المناخ تبدد جزئياً باعتقالات 5 سبتمبر التي أعقبها بشهر واحد اغتيال الرئيس أنور السادات، وبدأ عهد جديد من الممارسة السياسية والصحافية بدأ عفياً لكن الانتكاسات التي تخللته نالت كثيراً من تلك العافية.

الملمح الرئيسي في هذه الحقبة أن الصحف القومية المملوكة للدولة عبر مجلس الشورى شهدت ازدهاراً وتوسيعاً لهامش الحرية المتاح، حتى تتمكن من إقناع القراء بأنها تقدم صورة وافية للواقع المصري بنظامه ومعارضته.

وبالفعل ظلت كتابات المناوئين للنظام تنشر بشكل دوري قد يتخلله منع كل بضعة أسابيع، غير أن النشر كان القاعدة والمنع كان استثناء، لهذا قفزت الصحف الحكومية وحققت أرقام توزيع غير مسبوقة، لكنها ما لبثت أن تراجعت إلى نحو ثلثها بعدما تغير الواقع السياسي، فتم إضعاف الأحزاب، وبالتبعية ضعفت صحفها، ولم يجد النظام مبرراً للإبقاء على من يناوئونه داخل عباءة الصحف التي يملكها.