من أنت؟ هل تستطيع أن تعطيني إجابة سريعة دون أن تتلعثم وتفكر كيف وماذا ستقول؟ هل تعرف نفسك حقاً لتجيب على سؤال بغاية البساطة والصعوبة في الوقت ذاته؟
يبدو أنك عزيزي القارئ مثل شريحة كبيرة غيرك شملتهم تجربة عربية للإجابة على هذا السؤال، ولم يستطيعوا أن يجيبوا عليه. فلماذا يا ترى؟
أعتقد أن جانبا من الجواب المؤلم قد يكون لأننا وبكل بساطة في عالمنا العربي، لا نعرف أنفسنا وننجذب لكل شيء قد يكشف لنا شيئا عن ذواتنا ويعرفنا عليها. وهذا يفسر الزيادة اللافتة في أرباح كتب الأبراج وتحليل الشخصيات من التوقيع والاسم وطريقة النوم أو حتى الأكلة المفضلة.
ولأن كل شيء يحدث بسبب، دعونا نبحث عن الأسباب التي أعتقد أن أهمها على الإطلاق هو نوع التنشئة في البيت والمدرسة.
لنعد قليلاً إلى الوراء، ولنتأمل كيف نشأنا وتربينا. مع الأسف لقد فرض علينا كل شيء؛ مبادؤنا، قيمنا، طريقة تفكيرنا، ذوق أهلنا الخاص في الطعام واللبس والمتعة واختيار الأصدقاء. لم يكن لنا أي قرار في كل ذلك، ولا أعمم. لقد ربانا أهلنا على أساس أننا يجب أن نكون مثلهم، أو امتدادا لهم، وهذا ما سحق شخصياتنا وألغى ذواتنا، وجعلنا إلى حد بعيد بلا شخصية أو هوية.
ولذلك، بطبيعة الحال، أبعاد مستقبلية تتمثل في ضياعنا، وضعف ثقتنا بأنفسنا، وعدم قدرتنا على تحديد هويتنا حتى بعد مرور عشرات السنين. وهذا ما يجعلنا نفرح ونطير من السعادة حتى الأفق، إذا قرأنا أو سمعنا شيئا جميلا عن شخصياتنا، وهو نفسه ما يجعلنا ننقلب على أنفسنا ونهبط بمعنوياتنا حتى سابع أرض، إذا قرأنا انتقادا عنا قد يكون غير صحيح.
وللمدرسة والمناهج تحديدا نصيب الأسد في إلغاء شخصيتنا وجعل عنوان حكايتنا بلا هوية. فقد علمتنا المدرسة كيف يفكر الآخرون، لكنها لم تعلمنا كيف نفكر نحن!
علمتنا المناهج أين تقع أوطاننا، ولكنها لم تعلمنا أين نقع نحن من خارطة هذا العالم. علمتنا أن ديننا دين المحبة والتسامح، ولكنها لم تسامحنا حين كنا نسأل ببراءة عن ديننا ونبينا، فكانت تهاجمنا عيون غاضبة وجمل قاسية مثل: «استغفر الله العظيم. سؤالك ذنب كبير!». حفظنا عن ظهر قلب قصائد العروبة والقومية العربية، ولكننا فعلا ما زلنا نجهل ما معنى وما أجمل أن تكون هويتنا عربية.
للأسف أن كثيرا من الناس يعيش ويموت دون أن يعرف من هو، وماذا يريد، وما هي موهبته. فتجده يتخبط بين ما يحب وما يكره، ما يسعده وما يحزنه.. لا يعرف ما هي أهدافه.. تتلخص حياته في عدة مراحل معروفة ومحددة سلفا ولا جديد فيها.
والبيت والمدرسة قد يكونان وجهين لعملة مدمرة واحدة في هذا الشأن.. فهي قد تنتج شخصيات مهزوزة، مترددة، ضائعة ومحبطة أو العكس.
الهوية عنوان كبير وعميق، ولكي تتشكل الهوية الحقيقة، يجب أن يبدأ الوالدان في المنزل بإفساح المجال للابن أن يعبر عن نفسه وعن آرائه، حتى إن كنا نختلف معه فيها. يجب أن نعطيه الفرصة، حتى يفكر ويحلم ويختار قدوته ويمارس هواياته ويعرف ميوله ورغباته. يجب أن نكلفه ببعض المسؤوليات، ونشركه في صناعة بعض القرارات، حتى لا نجعله مسلوب الإرادة، ولكي نصنع من أبنائنا شخصيات واثقة من نفسها معتدة بذاتها وبهويتها.
كما يجب أن تسهم المدرسة في صنع هواياتنا، من خلال تعريفنا على العالم ومتغيراته. يجب أن تمنحنا الفرصة لكي نسأل ونجد أجوبة صادقة ومتسامحة مع أسئلتنا. يجب أن تسمح لنا بالإفصاح عن أفكارنا، دون أن تنتقدها وتئدها.
يجب أن تشجع وتدعم مواهبنا مهما بدت متواضعة، ولا تسخر كل وقتها وتوفر طاقاتها وإطراءها ودعمها للمتفوقين فقط. كما يجب أن تسهم في رفع ثقة الطلاب بأنفسهم، من خلال إشراكهم في الحوارات، واحترام آرائهم، ومناقشتها معهم بهدوء وتواضع، لأن الثقة بالنفس من أغلى وأهم الصفات التي تصنع الهوية والقيادة والسعادة أيضا.
ختاماً أقول.. يضيع وقتنا وحياتنا لكي نجمع النقود لأولادنا، وبعد ذلك ننفق الآلاف على لباسهم وطعامهم ومدارسهم وسياراتهم ومتعتهم، اعتقادا منا أننا نقوم بواجبنا تجاههم، ولكن نغفل عن المهم، بل الأهم من هذا كله، وهي الشخصية والهوية والثقة بالنفس التي لا تحتاج إلى الملايين، بل تحتاج إلى قليل من الحب والوقت. لنسمعهم ونحاورهم ونشركهم في قراراتنا وأفكارنا وحياتنا التي هم أغلى ما فيها.
نبض الضمير: «نقيم التماثيل من الثلج، ثم نشكو أنها تذوب»!
كاتبة سعودية