يتفق مفكرو هذا العصر، سواء أكانو من العرب أم من الغرب، على أن عصرنا هذا هو عصر الصورة بامتياز. والصورة في عصرنا الحاضر ليست تلك التي تعكس الواقع وتقدمه لنا «دون رتوش»، كما كانت تعامل قديماً، بل الصورة، كما يقول المفكر الفرنسي جين بودريارد.
قد أصبحت هي المرجع وهي التي تصوغ أو تشكل أو تحاول تشكيل الواقع، بحسب ما تحمله من مضامين ومن أفكار تم الاشتغال عليها بحرص وبدقة، كي تصوغ لنا واقعاً تحاول أن تجعلنا ساعين لتشكيله وتكوينه والعيش فيه.
لقد اكتشف الغرب ومنذ زمن ليس بالقصير، وفي مجال الإعلام تحديداً، قدرة الصورة على التأثير في الذهن، فاشتغلوا عليها بما يخدم أهدافهم بدرجة كبيرة، وتفننوا في معرفة خصائصها وكيفية توظيف تلك الخصائص. ساعدهم في ذلك استخدام نظريات علم النفس.
والتي ساعدتهم على معرفة السلوك البشري وكيفية التأثير فيه، مثلما ساعدتهم الدراسات المختصة بكيفية عمل الدماغ البشري، وكيف يعمل على تحليل الرموز أو التعرف عليها وتخزينها، ومن ثم تحويلها إلى سلوك.
من جانب آخر، نرى الثقافة العربية والإسلامية قد أدركت في جوهرها خطورة الصورة، وقدرتها على التضليل وعلى تزييف وعي الإنسان والتأثير في نفسه، فصاغت حولها الأفكار والرؤى التي تراوحت بين تحريم التصوير، وبين القبول به في حال الضرورة والتوافق مع ما يخدم أهداف المجتمع.
وبغض النظر عن معطيات هذا الجدل ونوعه ومداه، إلا أن الإدراك بما تعنيه الصورة هو إدراك عميق ومفصلي في الثقافة العربية الإسلامية، وذو أبعاد جوهرية تساعدنا على التعرف إليها، وفي هذا الزمن بالذات، في إدراك ما تعنيه الصورة وما يحمله التصوير من معان ومن دلالات.
والمهم بالنسبة لنا في هذا المقال، أن نوجز أن الثقافتين؛ العربية الإسلامية والغربية، قد عرفتا خطورة وأهمية التصوير، وتم التعامل معه من قبل الأولى بوضع المحاذير حوله، والأخرى تعاملت مع توظيفه والوصول من خلاله لأهدافها.
ولنا أن نذكر هنا فقط أن المرجعيات الدينية غير الإسلامية، بما في ذلك اليهودية والمسيحية، قد تعاملت مع الصورة في بعض أبعادها بنفس ما تعامل به الإسلام، غير أن التحولات المجتمعية في أماكن تلك الديانات والظروف التي مرت بها، وبالذات في ما يخص الديانة المسيحية، قد جعلت للصورة مركزية كبيرة في تلك الثقافة.
ومن المهم الاعتراف هنا أنه، رغم وجود المرجعيات الإسلامية العميقة والكبيرة حول هذا الموضوع، ورغم ظهور دراسات كثيرة وكبيرة في الغرب، وفي دول كثيرة من العالم، إلا أن الدراسات العربية حول قراءة الصورة لم تزل قليلة نسبيا.
وربما معدومة أيضا في بعض مناطقنا، رغم الجهد المهم الذي ظهر في دول المغرب العربي تحديدا، وبنسبة أقل في دول المشرق، مبذولا من بعض المفكرين الأجلاء الذين عرفوا أهمية هذا الموضوع وكيفية التعامل معه.
أردت من هذه المقدمة حول الصورة التركيز على أنها، أي الصورة، ذات بعد خطير ومهم من حيث تأثيرها في وعي الإنسان بنفسه وبالكون من حوله.
وهذه المقدمة ستقودني إلى موضوعي الأساس في هذا المقال، وهو موضوع قديم، ويتجدد كلما ظهر عدد جديد لمجلة «ماجد»، وسعى بعض القائمين عليها إلى تعميق فكرة سلبية عن مواطن دولة الإمارات من خلال إحدى شخصياتها الرئيسة.
وتتمثل هذه الفكرة في أنه، أي المواطن، الكسول وغير الحصيف والسلبي. وهذه الفكرة هي أحد المصاب المهمة للصنبور سيء النية الذي يحاول التشكيك في قدرات وإمكانات المواطنين في دولة الإمارات، ويمتص هذا الصنبور مصدره الأساس من جدول استعماري قديم تشكل في الظلام، وظل يشتغل في الظلام باثاً أفكاره العكرة لزمن طويل.
وقد تسألون، وما علاقة مجلة كماجد بمثل هذه الأفكار الكبيرة التي طرحتها، وكيف لمجلة تقدم للصغار أن تعمل على صياغة وتعميق مثل هذه الأفكار، ولعل الإجابة ببساطة هي أن هناك أفكاراً، أو أن في الواقع كل الأفكار التي يراد لها أن تصبح واقعاً، تقدم للصغار وللكبار، كل في صيغة تناسبه.
أفلم تعمل مؤسسة ديزني، على سبيل المثال، على تعزيز الكثير من قيم النخب الحاكمة في الولايات المتحدة، ومنها القيم المبنية على التمييز والعنصرية أو إعلاء قيم الأوروبيين على قيم الآخرين.
أو لم يسعى عمل كرتوني مثل «بباي» على تعزيز الصورة السلبية للشخص الأسمر الملتحي وتلميع صورة الأبيض المختلف. كل هذه أعمال صيغت بأهداف وراءها ولم تأت اعتباطاً.
لقد قامت مجلة ماجد، منذ ظهورها وحتى اليوم، على نحت صورة سلبية لمواطن دولة الإمارات تمثلت في الفتى الصغير «كسلان جداً» لتعمل على جعل من يتعامل مع تلك المجلة، ومن خلال ما تملكه الصورة من تأثير كبير في لاشعور الإنسان تحديداً، على خلق صورة نمطية كاذبة عن الفتى الإماراتي.
واليوم يتغلغل هذا الاسم في أذهان الكثيرين، حتى من مواطني الإمارات لينحت لهم صورة خبيثة تشوه أبناء هذا البلد وتصورهم على أنهم كسالى ولا يمتلكون القدرات التي تؤهلهم للريادة والفعل الحقيقي في الحياة.
وما نحصده اليوم من تشكيك في المواطنين لا يرفع الشك عن دور مجلة ماجد في هذه المسألة، بل يعززها، وبخاصة حين يصبح لدينا الإدراك بما يقوم به الإعلام من أدوار في الحياة ليرسم من خلالها صورة للناس عن أنفسهم وعن الآخرين، ويجعلهم، مع مرور الوقت، لا يتقبلونها فقط، وإنما يتصرفون بناء عليها، وبخاصة في المناخات التي يكثر فيها الجهل والأفكار الخبيثة.
وهناك شواهد كثيرة في حياتنا عن هذه المسألة، لعل أسطعها الصورة التي أصبح الإعلام الغربي يروجها عن المسلمين، ثم يجد من يتبناها حتى في أوساطهم.
قد تعتقدون أن هذه الصيغة من القراءة بها الكثير من المبالغة، وهنا أتمنى أن تبذلوا بعض الجهد، لمن يريد منكم التأكد، أو حتى الدحض، في قراءة التحاليل للصور الإعلامية ورسائلها، الظاهرة والضمنية، والضمنية طبعاً هي الأبلغ لأنها تبنى على أسس التوجه للاشعور.
وأخيراً، أتمنى من هذا المقال أن يسعى العاملون في مجلة «ماجد» على إلغاء صورة «كسلان جداً» واستبدالها بصورة أكثر واقعية عن الفتى الإماراتي.
جامعة الإمارات
hessahlooth@gmail.com