عندما تقف وسط الحشود في متحف عالمي كمتحف اللوفر في باريس، تتنقل بين قاعات العرض بشغف، وفي إحدى القاعات تقف متأملاً لوحة الموناليزا محاولًا فهم سر تلك الابتسامة الغامضة المرتسمة على وجه «الجيوكاندا» الايطالية في متحف فرنسي، تأكد أنك لست وحدك! وأن الكثير في هذا العالم المختلف تجذبهم الثقافة بأنواعها، وتجمعهم الأشياء الجميلة المشتركة، وهنا تبرز أهمية الثقافة كنقطة التقاء بين البشر والحضارات.
الثقافة للجميع، وليست كما يظن البعض أنها نخبوية لمجموعة خاصة أو لمدينة معينة، وقد تستطيع الثقافة بقدرتها أن تجمعنا، عندما تفرقنا السياسة ويصنفنا الاقتصاد.
إذا كان كل الخبز في باريس فرنسياً، تبقى مقتنيات متحف اللوفر عالمية. وفي دراسة هولندية أميركية مشتركة، توصل الباحثون إلى أن سر نصف الابتسامة الغامضة للموناليزا، يكمن في سعادة صاحبة اللوحة وقتها.
ورغم كثرة الجدل والنظريات حول هذه اللوحة، إلا أن هذه المرأة وبعد خمسة قرون، ما زالت توزع ابتسامتها على الجميع، وأن لوحة معلقة في متحف يبلغ ارتفاعها ثلاثين بوصة، مازالت برقي وجمال غير مسبوقين تستقطب الكثير من الناس، رغم اختلافاتهم وتجمعهم رغم تفرقهم.
عالمية الثقافة تنعكس سلباً وإيجاباً على المدن، والتنوع الثقافي الذي تعيشه بعض المدن، يعتبر أحد الروافد المهمة للتنمية في جميع المجالات، ويسهم بشكل مباشر في التأسيس لحياة أكثر تميزاً واستقراراً على المستوى الفكري والاجتماعي.
لا يزال العمل الثقافي المحلي يراوح مكانه، وما زال أقل من الطموح. ورغم بعض المحاولات الجادة في بعض المدن، إلا أن ما يصرف على الثقافة في مجتمعاتنا يعادل ما يصرف على مجمع سكني واحد في إحدى مدننا الحديثة.
عدم جدية القائمين على العمل الثقافي محلياً، يصيب الناس بالإحباط وعدم إلمامهم بالإدارة الثقافية (التي هي علم مستقل بذاته) جزء كبير من المشكلة. الشعراء، الكتاب، والرسامون على سبيل المثال، ممن ليست لديهم خلفيات إدارية علمية، ليسوا مؤهلين لأن يقودوا مؤسساتنا الثقافية، وفي المقابل فإن الإداريين والتنفيذيين ممن ليس لديهم بعد ثقافي، قد يضروا بالثقافة أكثر من غيرهم.
ندرة القيادات الثقافية، تنعكس سلباً على العمل الثقافي المحلي وتجعله مشتتاً، رغم قلة ما يصرف على الثقافة، بالإضافة إلى عدم وجود صف ثانٍ من القيادات الثقافية، وكفاءات جديدة محلية، تستطيع تكملة المسيرة والنهوض بالعمل الثقافي، ما يعمق المشكلة أكثر.
تعيش بعض المدن ربيعاً ثقافياً مميزاً وصيفاً جافاً في أخرى، المشروعات والأفكار الثقافية منتشرة ومكررة في مؤسساتنا الثقافية، الفرق يكمن في جدية العمل والقدرة على تنفيذ وإخراج المشروعات الثقافية.
أصحاب القرارات الثقافية تحكمهم ميزانيات واستراتيجيات معينة، تؤثر سلباً أو إيجاباً في الواقع الثقافي، وتحتاج القرارات الثقافية التي تخدم المدن تنموياً إلى بعد استراتيجي ثقافي وقدرات مميزة، ترتقي بالثقافة لتكون على مستوى الحدث.
وللأسباب المذكورة آنفاً وأسباب أخرى، يظن البعض أن الثقافة سباق وتنافس، وأن عليه أن يصل إلى خط النهاية قبل الآخرين، ولهذا ما زالت الثقافة محلياً تعاني وتدفع الثمن، وأصبحت المشروعات الثقافية المنتشرة في معظمها مكررة، البعض يطلق الفكرة ولا ينفذها وآخرون ينفذونها دون المطلوب، والبعض لا يعرف كيف ينفذها ولا يعرف حتى سبب إطلاقها!
يقول محدثي؛ إذا أردت أن تعرف الواقع الثقافي المحلي، احضر معرضاً للكتاب خارج الدولة، فمن الصعب بمكان فصل الثقافة عن التنمية، حيث يستطيع القطاع الثقافي وبجدارة أن يلعب دوراً أساسياً في التنمية المستدامة.
البعد الثقافي يشكل شخصيات المدن ويضيف لها بعداً استراتيجياً، ويسهم في تشكيل هويتها الحاضرة والمستقبلية. ويضيع كثير من تراث وهوية المدن التي لا تستطيع أن تحافظ على ثقافتها المحلية، ولا تستطيع أيضاً التعامل مع التنوع الثقافي الموجود بينها وفيها.