ظاهرة انتشار المخدرات، من الظواهر التي لم يسلم منها مجتمع من المجتمعات، سواء في الدول الغنية أو الفقيرة، بل لم تفرق بين الشرائح الاجتماعية داخل المجتمع الواحد، فهي المرض العضال الذي ينتشر بشكل سرطاني، لا تعرف وجهته القادمة ولا أي جزء من الجسد سيهاجم.
ولخطورة هذه القضية وتداعياتها على الصحة الجسدية والنفسية، وعلى المنظومة القيمية والأخلاقية للمجتمع، وعلى الشريحة الأهم والأكبر وهم الشباب..
أمل كل الأمم وأساس النهضة، والمعول عليهم في تحمل المسؤولية في الحاضر، والمساهمة في صنع المستقبل.. لكل ذلك وضعت الهيئات العالمية والإقليمية والمحلية، سبل محاصرتها والحد من انتشارها على قائمة أولوياتها.
ولا يستطيع أحد أن ينكر جهود رجال الأمن البواسل، عيون الوطن الساهرة الذين شهد لهم القاصي والداني برقي مهني في التعامل مع القضايا التي تمس أمن وطننا فاق دولاً عريقة، وبات ما يصدر عنهم في محاصرة هذا الداء الوبال، تنصت إليه آذان العالم..
إلا أن مكافحة المخدرات وأضرارها ليست مسؤولية رجال الأمن وحدهم، بل مسؤولية مجتمعية يجب أن تشارك فيها كافة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية وجمعيات المجتمع المدني، وأن يتم ذلك بتخطيط علمي يعي مضمون الرسالة التي يقدمها، ويستبق تأثيرها، ويحدد جمهورها، ويتابع نتائجها، دون أن يترك ذلك إلى الاجتهادات الفردية.
وعلى الرغم من وجود رادع قانوني لكل من تسول له نفسه استهداف وطننا، وكل من تضعف نفسه ويسير في طريق الهاوية من تعاطي وإدمان المخدرات، فإن الدور التوعوي لوسائل الإعلام، باعتبارها إحدى المؤسسات المنوط بها التصدي لهذه الظاهرة بحكم جماهيريتها وسهولة وصولها لكافة شرائح المجتمع وقدرتها.
بما تقدمه من مضامين متنوعة، على الاستهواء والتأثير، وخاصة بين فئات النشء والشباب.. لا يمكن إغفاله، وهنا أود أن أوضح بعض النقاط كمتابع لأسلوب معالجتها لقضية المخدرات على مدار سنوات..
أولًا؛ إن وسائل الإعلام تقع في تناقض واضح، في ما تقدمه من برامج اجتماعية توعوية وحملات إعلامية، تستخدم فيها أعلى درجات التخويف من تعاطي المخدرات وما يترتب عليها من عواقب وخيمة على الفرد والأسرة، بل والمجتمع بأكمله.
وهذا حق، إلا أن الدق على أوتار التخويف بأقصى درجة، غير كفيل بتحقيق النتائج المرجوة. فالتخويف الشديد إما أن يؤدي إلى انصراف المشاهد عن متابعة الرسالة، وخاصة إذا كان ممن وقعوا في حبائل المخدرات وشراكها، أو يؤدي إلى ما يسمى «الدفاع الذاتي للفرد».
بمعنى أن تنشأ لديه حالة من التبرير الداخلي يتصدى بها لهذه الرسالة كنوع من الهروب النفسي، وخاصة إذا لم توضح له كيفية الخلاص. ومن هنا فاستخدام أوتار التخويف، لا بد أن يستخدم بحرص شديد ويتوقف عند سقف محدد، لكي يؤتي ثماره.
ثانياً؛ لا يكفي أن تسلط البرامج التلفزيونية الضوء على العرض وهو تعاطي المخدرات، وتهمل أصل المرض وهو الطريق الوعر الذي أدى إلى تفكك أسري نتج عن الانفصال بين الأزواج، والذي يتجرع آلام تبعاته أبناء بلا رقابة أو رعاية أسرية، يقدمون لقمة سائغة للسير في هذا الطريق.
وكذلك الانشغال الدائم للأب سعياً وراء أعماله الخاصة لجمع أكبر كم من المال، ظناً منه أن ذلك يضمن مستقبل أبنائه، متناسياً أن تأمين المستقبل يكون بالخلق والسلوك القويم قبل المال، فضلاً عن سوء معاملة الأبناء أحياناً، وعدم وجود القدوة السوية، وغيرها من أسباب المرض التي يجب تناولها بوضوح ومكاشفة ودون توجس.
ثالثاً؛ إن التركيز على الجانب الخبري في تناول قضايا المخدرات، أفقد وسائل الإعلام الكثير من فاعليتها، ذلك أن تحويل القضية إلى مجرد أرقام يختزل الكثير من آثارها الإنسانية التي تكون أكثر تأثيراً.
فضلاً عن أن الجانب الخبري يفتقر في بعض الأحيان إلى الشرح والتفسير والتحليل، الذي يساعد على تكوين رؤية كلية محرضة للوقوف في وجه هذا الخطر الداهم، إلا أن سعي وسائل الإعلام للبحث عن السبق حال دون إتاحة المزيد من المتابعة والتحليل، وكان على حساب الصورة الكلية للقضية التي يجب أن ترسخ في ذهن كل متابع.
رابعاً؛ حتى الدراما التلفزيونية والأفلام السينمائية، لم تتناول قضية المخدرات تناولاً تستشعر منه جدية التوجه في معالجتها، ولكن من باب ذر الرماد في العيون أو درء العتب، وإلا فما معنى أن يقوم أبطال مشاهير لهم شعبية كبيرة، وخاصة بين فئات المراهقين، بأدوار تجار المخدرات.
وتقدم شخصياتهم بمسحة درامية تضفي عليها طابع المجرم المحبوب، الذي يدعو إلى التعاطف معه ويغري بمحاكاته أحيانا، وكأن متطلبات العمل الدرامي تسبق أهمية القضية في حد ذاتها، ويتم الإسهاب في توضيح أنواع المخدرات وطرق التعاطي، وكأنها تقدم دروسا في كيفية تناولها، ثم يأتي القصاص القانوني للجناة في لحظات عابرة غير مؤثرة ويصعب تذكرها!
وقبل ذلك وبعده، ينبغي تطبيق أقصى درجات العقوبة على مرتكب الجريمة بالدرجة الأولى، وليس الضحية؛ على المروّج المتاجر بها، وليس المتعاطي، وعلى كل من تسول له نفسه استهداف هذا الوطن الآمن وأبناءه، الذين فتحوا قلوبهم وأبوابهم لغيرهم ليشاركوهم في ما أنعم الله عليهم به، فكان رد المعروف بالتخريب الذي يتوجب أن تصل فيه العقوبة إلى الإعدام، وذلك جزاء المفسدين في الأرض.
عميد كلية المعلومات والإعلام والعلوم الإنسانية جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا
Dralkhaja@gmail.com
