نعم أكتب عن الكويت وتستحق الكويت من يكتب عنها، ويشيد ببعدها القومي والعروبي الذي جسدته خير تجسيد بمواقفها المشرفة من القضايا العربية على مدار تاريخها الحديث والمعاصر، وأتمنى أن لا يفهم من المقال بأنه يكتب بمشاعر اللحظة أو مشاعر الحماسة خاصة بعد موقف الكويت الأخير من قضية الاعتداء الإسرائيلي السافر على أسطول الحرية سواء بمشاركة مجموعة من أبنائها على متن هذا الأسطول.
أو بتهديد الكويت بالانسحاب من المبادرة العربية للسلام رغم أنه عمل يستحق الإشادة به، وإنما هو شهادة حق لا بد من إقرارها والإشادة بحق دولة خليجية وعربية لم تألو جهداً ولم تثن خيراً عن جيرانها وإخوانها العرب والمسلمين.
سِجل الكويت في الواقع حافل بالمساعدات التي قدمتها للقضية الفلسطينية منذ مهد القضية، فلا يخفى على أحد بأن الكويت كانت هي المهد الأساسي لاحتضان حركة فتح وذلك من خلال اللقاءات التأسيسية الأولى التي تمت في عام 1957 بين ممثلي المجموعات الفلسطينية التي أسفرت عن ولادة منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة فتح.
كما أنه في كتابه الجميل والمعنون ب(اقتل خالد) يشير بول ماغوو إلى بدايات «حركة حماس» ونشأتها، فيشير إلى أن قصتها وإن بدأت مع نشاطات المجمع الإسلامي وأعمال الشيخ أحمد ياسين في غزة إلا أن جذورها تعود إلى «مشروع فلسطين الإسلامي» في الكويت.
فمثلما كانت هذه الدولة الخليجية الصغيرة حاضنة لولادة المشروع الوطني الفلسطيني الممثل في فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية فقد كانت أيضاً الحاضنة التي تخمّر فيها مشروع فلسطين الإسلامي الرافض للحل العلماني الذي حملته منظمة التحرير الفلسطينية، كما اعتقد ذلك عبد القادر مشعل والد خالد مشعل ورفاقه من رابطة فلسطين الإسلامية التي كانت حضن ولادة فكرة حماس مع عدد من الروابط الإسلامية الأخرى في أميركا وبريطانيا وغيرها.
ولم يتوقف العطاء الكويتي العروبي عند دعم القضية الفلسطينية وحسب وإنما كان لها باع طويل في دعم الثورات العربية الأخرى كثورة الجزائر رغم إمكانياتها الاقتصادية البسيطة في تلك الفترة، وأذكر أني قرأت في مرة من المرات أن الكويت في تلك الفترة كانت ترسل الأموال التي كانت تجنيها من بيع تذاكر السينما إلى الثوّار في الجزائر!
نعم إلى هذا الحد وأكثر كانت الكويت حاضرة عربياً؛ ولا ننسى نحن هنا في الإمارات دور الكويت في فترة ما قبل قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة حيث مازلنا نذكر في تاريخنا الحديث دور الكويت الشقيقة في مجالات الدعم الكثيرة التي قدمتها سواء في مجال الصحة أو التعليم وغيرها من المجالات.
ولا ننسى كذلك مساعي الكويت الحميدة في إنجاح مباحثات الاتحاد التساعي وخاصة عندما تأزم الموقف ما بين الإمارات الأعضاء حول بعض المسائل الدستورية حيث جاءت جولات وزير خارجية الكويت، وجاءت الاقتراحات القانونية والدستورية التي كانت تقدمها متمثلة في مستشارها القانوني وحيد رأفت في تلك الفترة والتي مازالت بصمته القانونية واضحة في كثير من مواد دستور دولة الإمارات العربية المتحدة.
هذه هي كويت العروبة والأخوة فهي من نسيَ خلافاته مع من وقف ضدها أثناء حرب الخليج الثانية، وفتح صفحة جديدة مع الأشقاء ملؤها مشاعر الأخوة والتسامح والعفو عند المقدرة، هذه هي الكويت الحضارة والتاريخ والديمقراطية المشرفة في منطقة الخليج العربي.
إننا بحق نحتاج اليوم وخاصة في هذه الفترة الحرجة من عمر النظام الإقليمي العربي الذي يعاني من ضعف وشلل نتيجة ضعف أعضائه واستكانتهم إلى استذكار المواقف العربية المشرفة فقد تكون خيط أمل أو بصيص ضوء نبلور حولها سياسة عربية أفضل.
لا أخفيكم خبراً بمشاعر الغيرة التي تنتابني عندما أرى العالم العربي اليوم بدأ يلتحف بالعباءة التركية وبدأ يجعلها خيارا أفضل بكثير عن العباءة العربية التي ينظر إليها وللأسف الشديد على أنها أصبحت عباءة بالية لا تستطيع أن تحتضن الدول العربية.
فما أحوجنا إلى أن تتحرك النزعة القومية لدى جميع الدول العربية قيادات كانت أم شعوبا لنصرة القضايا العربية في مغارب الأرض ومشارقها تماماً كما هي الكويت في السابق واليوم.
كاتبة إماراتية
f_mansouri78@hotmail.com