تمر علينا الأيام ولا نعرف ماذا تحمل بين طياتها.. لكل واحد منا حكاية مكتوبة سلفاً ومحفوظة في سماء بعيدة جدا.. لكننا نمضي في هذه الدنيا، كل على حسب حلمه وهمته وطموحه ورؤيته.. تواجهنا صدمات وعقبات فينقلب الكثير منا على نفسه، ظنا منه أنه هو الوحيد الذي يعاني في هذا العالم، وأن همومه وقضاياه هي الأصعب والأعقد.. وأن حياته قد لُونت بالأسود.. وكتبت لها التعاسة.
بسذاجة، يعتقد هو أن الحياة نعيم مقيم وراحة كاملة وسعادة دائمة. فمن ذا الذي وعدنا أنها تخلو من الآلام والانكسارات؟ ومن ذا الذي صدق أنها طريق ناعم وممهد لا حفريات فيه ولا مطبات؟! ومن الذي يدعي أن الصفو والكمال من شأنها أو من صفاتها؟
كما أن كثيرا من الناس يعيش مستسلما لواقعه الذي يرفضه ويندبه في كل حين.. يردد «أنا فاشل وحياتي تعيسة»، على الرغم من ضخامة إمكانياته وطاقاته ووفرة المعطيات التي تؤهله لأن يصنع فرقا ونجاحا في حياته.. إنها أحيانا ليست قضية أمل ويأس.. هي أكبر من ذلك.. هي قضية إرادة وإيمان وثقة.
في أغلب قصص العظماء وسير المبدعين، كانت هناك كلمة سر لدخول بوابة النجاح، وهي غالبا ما تكون «الثقة بالنفس»، إلى جانب عوامل أخرى مهمة، مثل تجاهل آراء الآخرين المثبطة، والتحلي بالإرادة والإيمان وغيرها.
جرب عزيزي القارئ أن تعيش اللحظة بثقة، وستجد فرقا جميلاً في حياتك.. ستجد أنك أكثر رغبة في الحياة والعطاء والتحليق.
وجرب أن تعيش اللحظة كما هي.. أن تستمتع باللحظة، دون أن تثقلها بقضايا الماضي أو القلق من المستقبل.. لا تقلق إذا استيقظت صباحا بنشاط وأنت لم تنم سوى ساعة.. لا تشك في روح فكاهتك إذا ضحك الناس على نكتة تافهة قلتها.. تأمل جمال الأشياء من حولك.. استمتع برائحة المطر وألوان الأفق الأخير حينا..
وبلذة الطعام وعذب الكلام أحيانا أخرى.. لا تخش أن تلعب مع الصغار وتضحك بصوت مرتفع على براءتهم.. ولا تتردد في البوح للآخرين بحبك وإعجابك وشوقك لهم.. ابتسم بسعادة حين تسمع أغنيتك المفضلة تبدأ في الإذاعة.. ولا تتحرج من الجلوس والأكل بالطريقة التي تحب.
بالنسبة لي؛ يسعدني أن أرى نظرة حب وفخر في عيني والدي.. وأن أقابل شخصا أبعدتني عنه الظروف فأحتضنه بلهفة وعفوية.. أو أن أجعل الصغار من حولي يضحكون لأضحك معهم في لحظات طفولية أحن لها.. وأن أقرأ كتابا جميلا وأبحر مع فكر مبدع..
يسعدني أن يعبر لي شخص باحترام عن رأيه في كتاباتي، سواء كان الرأي سلبيا أو إيجابيا..
يسعدني كبقية البشر؛ النجاح بكافة أشكاله، والحب بجميع صوره..
وكغيري من الناس، تؤلمني مواقف ولحظات كثيرة تتبع اللحظات اللذيذة، في سيناريو معروف ومعزوفة باتت مألوفة لدى الجميع.
في رأيي، من أصعب اللحظات وأكثرها تدميرا:
أن تفتح عينيك على واقع لا تريده.. وأن تحصي عدد هزائمك وانتكاساتك فيعجز العد.. أن تتمنى الفشل حتى تتخلص من حسد وحقد الآخرين.. أن تشعر بأنك مخطئ، فقط لأنك تميزت واختلفت عنهم.. أن تضطر لتتنازل عن مبادئك لتساير الحياة.. أن تودع أناسا لا تقوى على وداعهم، وتدرك كيف هي الحياة صعبة وشحيحة بدونهم.. أو أن تشاهد من تحب يغرق ولا تستطيع إنقاذه..
أن تبكي بحرقة ولا تجد سببا أو تفسيرا لذلك.. أن تكتشف أنك مدرج في قائمة الأغبياء السذج لدى من تحب.. أن تكتشف أن لا أحد حولك سواك!
أن تتمنى التخلص من ذاكراتك التي تدمرك.. أن تصافح يدا تدرك مدى تلوثها، وتبتسم في وجه تريد أن تبصق عليه.. أن تجعل أغلى ما لديك تحت قدميك كي تصل إلى القمة.. أن تكتشف أن أكبر كذبة هي أن لكل مجتهد نصيبا.. وأن المبادئ التي أرضعتك إياها أمك مع حليبها، لم تعد صالحة للشرب والاستعمال.
وأخيرا.. أن تجد نفسك في أكثر من جملة ولم تدرك ذلك..
هكذا هي الحياة؛ حلو ومر.. سعادة وشقاء.. سواد وبياض.. مزيج دقيق ومتوازن يعيشه الجميع، وليس لهم فيه يد أو قرار.. إنهم فقط يستطيعون أن يؤمنوا بذلك، وبالتالي يطمئنوا بأن هذا هو التوازن الذي اختاره الله لنا.. باختصار «إنك لا تستطيع منع طيور الحزن من التحليق فوق رأسك، ولكنك تستطيع منعها من أن تعشش فيه».
ختاما أقول..
أحبب نفسك وضعها حيث تشاء..
عش اللحظة وغير واقعك بدل أن تندبه..
طور حياتك بدل أن تتحسر عليها.. فلا أحد مسؤول عن سعادتك سواك..
تقرب من الله واذكره في كل حين ؟ألا بذكر الله تطمئن القلوب؟.
كاتبة سعودي