إحياء روح عيد الأم في أميركا

إحياء روح عيد الأم في أميركا

ت + ت - الحجم الطبيعي

ها قد مرّ علينا عيد الأم، وشاهدنا المطاعم تعجّ بالعائلات المحتفلة به، ومحلات الورود تشهد أفضل أيام البيع في السنة، وبطاقات التهنئة تنفد من رفوف المتاجر. وكل منا يتوق للتعبير عن تقديره لأمه في هذه المناسبة السنوية.

لكن في الأصل، لم يكن عيد الأم مجرد احتفال لتقديم الأزهار، والخروج للعشاء مع العائلة، فالنساء اللاتي نظمن أول عيد أم رأين فيه مناسبة للأمهات لتنظيم أنفسهن لأجل الاحتجاج ضد الحرب والظلم. والنساء، اللاتي يحملن أطفالنا ويحفظن مجتمعنا، من حقهنّ إطلاق صيحة أخلاقية للمجتمع. ففي عام 1858، تم تنظيم «أيام عمل الأمهات» في الولايات الأميركية الواقعة على طول سلسلة جبال أبالاشيا من قبل آنا ريفز جارفيس احتجاجاً على ظروف العمل القاسية التي كانت تهدد سلامة العمال الفقراء.

وفي عام 1870، بعد مجازر الحرب الأهلية، التي راح ضحيتها من الأميركيين أكثر مما راح في أي حرب أميركية أخرى، دعت جوليا وارد هاو، مؤلفة «ترنيمة المعركة للجمهورية»، لتنظيم يوم خاص لاحتجاج الأمهات ضد الحرب.وكانت هاو من معارضي الحروب ومن المنادين بمنح المرأة حق الاقتراع. وقد نشرت «إعلان عيد الأم» في 1870 أوضحت فيه رؤيتها:

«رجالنا تركوا المحراث والسندان لأجل نداء الحرب،

فلتترك نساؤنا الآن كل ما يمكن أن يترك في المنزل لأجل يوم عظيم مكرس للعمل والتشاور فليجتمعن أولاً، كنساء، ليندبن قتلى الحرب ويخلدن ذكراهم وليتشاورن فيما بينهن بشأن السبل التي يمكن اتباعها لكي تعيش العائلة البشرية العظيمة بسلام...»

وفي 1914، نجحت ابنة آنا جارفيس، المتلهفة لتقدير والدتها، في التوصل إلى إقرار رسمي للاحتفال السنوي بعيد الأم، لكن سرعان ما طغت على هذا الاحتفال المصالح التجارية، مما دفع جارفيس للقول في مقابلة صحفية قبيل موتها بقليل بأنها نادمة على إطلاق الشرارة الأولى لهذا العيد.

لكن طغيان النزعة التجارية على عيد الأم ليس ظاهرة فريدة من نوعهاً. فموسم عيد الميلاد ؟ أي موسم التسوق ؟ يبدأ الآن قبل عيد الشكر. ونلاحظ بشكل متزايد ان الجانب الديني لهذا العيد أصبح أمراً ثانوياً جداً في خضم التركيز الهائل على سانتا كلوز، القطب الشمالي، الهدايا، أشجار وحفلات عيد الميلاد.

ولقد أصبح هذا العيد مناسبة للتسوق أكثر منه مناسبة لتذّكر قصة السيد المسيح، الذي ولد لشعب مقموع ينتظر محارباً قوياً مخلصاً، فكان أميراً للسلام. والشيء نفسه يحدث في مناسبات دينية أخرى. والآن تحول عيد الأم، الذي أريد له أصلاً أن يكون مناسبة تعبر فيها النساء عن احتجاجهن ضد الحرب والظلم، إلى مناسبة تخرج فيها العائلة للعشاء مع الأم في مطعم راق.

لا أحد يستكثر على الأم حقها بيوم للاسترخاء والتقدير. لكن الظروف التي يعيشها مجتمعنا الآن تدفعنا لمحاولة إحياء الروح الأصلية التي تولدت منها عطلة عيد الأم. فأبناؤنا وبناتنا يخاطرون بأرواحهم في الحرب، فقر الطفولة في ارتفاع، ومعدل الوفيات في بعض الأحياء الفقيرة في أميركا أعلى مما هو عليه حتى في العراق. وعلماء الاقتصاد يعلنون ان الاقتصاد على وشك الانتعاش، بينما لا تزال معدلات بطالة الشباب على أرض الواقع عند أدنى مستوى لها منذ حقبة الركود العظيم.

لنتخيل معاً سيناريو اتحاد الامهات في عيد الأم ضد متاجر الأسلحة، أو الخروج مع عوائلهن للتظاهر أمام المصارف احتجاجاً على قيام البنوك بالحجز على البيوت المرهونة لها وبالتالي تشريد آلاف الأسر الأميركية، أو التظاهر سلمياً ضد ارتفاع معدلات فقر الأطفال إلى مستويات مخيفة، أو التجمع، كما فعلت جوليا هاو، لتبادل الأفكار حول السبل التي يمكن اتباعها لجلب السلام إلى عالم أدمته الحروب والإرهاب.

وليت الأمهات الأميركيات اليوم يتحركن لإعادتنا إلى معنى عيد الأم الأصلي الذي قصدته آنا جارفيس وجوليا هاو. فأعظم تقدير يمكن أن نقدمه لأمهاتنا هو الالتزام بتوفير الظروف التي تمنح أبناءهن الفرصة لاستغلال طاقاتهم وإمكاناتهم بأفضل طريقة ممكنة. وذلك يعني توفير بداية صحية، أحياء آمنة، مدارس جيدة، عائلة قوية، سلام، وظائف، فرص متكافئة ؟ وهذا هو ما تريده كل أم لأبنائها. بالطبع فإن الأزهار شيء جميل، لكن الأجمل والأعظم منها هو السلام والعدالة الاجتماعية.

Email