تأتيك بطاقة دعوة لزواج فلانة من فلان، من حيث لا تدري. فجأة تجد البطاقة في صالة منزلك؛ المكرم فلان أو المكرمة فلانة.. ينتابك شعور مزعج ويتجهم وجهك، وتتذكر الترتيبات والتجهيزات التي يجب أن تقوم بها!

«النساء» سيعرفن قصدي وعن أي شعور أتحدث؛ شعور بالالتزام المطلق في يوم الزفاف المنتظر.. تعطيل لكافة مشاريعك، واستعداد نفسي عالٍ يجب أن تتحلى به لحضور هذا الزواج.. تحضيرات تبدأ من ساعات مبكرة من اليوم، وتكاليف عالية قد تصل إلى الآلاف، حالة من الانتظار والترقب للزواج، خاصة وأن الإشاعات أصبحت تتزامن مع الإعلان عن الزواج؛ ستغني المطربة الفلانية، وسوف تزف العروس بطريقة غريبة.. إلخ.

لا أعرف حقيقة ما هو مصدر تلك الإشاعات وما هو الهدف من ورائها، ولكن كل ما أعرفه أننا نواجه ظاهرة اجتماعية سلبية خليجية بامتياز، لا أحد يستفيد منها سوى الضاحكين على السذج، والمستفيدين من ركوبهم الموجة وتقليدهم لتقليعات جمع كبير من المجتمع.

كانت الأعراس سابقاً يوما منتظرا يفرح به الصغير قبل الكبير، ولقاء عائليا متواضعا وغير متكلف، وبسيطا في استعداداته وعميقا بقيمته وفرحته، لكن شتان ما بين الثرى والثريا، وكم هو الفرق كبير بين اليوم والأمس!

احتفالات اليوم أقرب للترف المؤلم والعجز الواضح عن التعبير عن النفس، إسراف مع مرتبة الشرف، وكتل من التكلف الاجتماعي المذموم، وكيلوات من مساحيق التجميل التي تكلف الآلاف التي تشفطها بعض العربيات والأجنبيات.

بامتنان ظاهر وسخرية باطنة على أموالنا التي لم نعد نشعر بقيمتها، كميات عظيمة من المأكولات والمعجنات والحلويات، موائد بلا حدود يأكل منها الحضور الربع ويبقى ثلاثة أرباع الطعام ليرمى. منذ لحظة دخولك للقاعة المقام فيها الزواج، ستجد أنك أمام فقاعة اجتماعية تكبر مع زيادة جهلنا وغينا.

المضحك المبكي أن بعض أفراد المجتمع من أصحاب الدخل المحدود، يجارون هذه الظاهرة ويلهثون للحاق بها، فتجد المواطن البسيط الذي لا يتجاوز راتبه بضعة آلاف، يضغط على نفسه، بل إنه قد يستدين ليقيم زواجا كبيرا ومتكلفا لإحدى بناته، لكي يرضي ويشبع جانباً مزعزعاً ومتخلخلاً في نفسه.

ليتنا ندرك أننا على خطأ، وأن ما نقوم به هو أبعد شيء عن أخلاقيات الإسلام وقيمه السمحة، متى نستوعب أننا نتكلف ونسرف وننافق ونكذب على أنفسنا قبل المجتمع؟ للأسف، بعد كل هذا المجهود النفسي والمادي الذي بذله من أقام الزواج، سيجد أنه لم يرض نفسه ولا المجتمع ولا الله عز وجل، حتى ان الداعي لن يستقبل الضيوف بسعادة وأريحية، بسبب المجهود العظيم والمهلك الذي بذله في سبيل إرضاء الناس، الذين قد لا يسمع حتى كلمة شكر منهم، ولا أعمم.

لا أعارض الفرحة ومظاهر الاحتفال، ولست ضد الكرم والسخاء في الضيافة وإكرام الضيوف والترحيب الكبير بهم، ولكني ضد أن ينظر للمعازيم على أنهم ثلة من الجياع يحضرون حفل الزواج ليأكلوا طوال الوقت، وأرفض أن يتحول أفراد المجتمع الخليجي إلى إمّعات يقلدون الآخرين بلا عقل ولا تفكير، يغضبون الله ليرضوا بعضا من العقليات المريضة، التي تقيس جودة الاحتفال وكرم المنادي بطول المائدة وعدد الأطباق، التي هي أبعد شيء عن كرم العرب الجميل وروح الإسلام التي تنادي بالاعتدال والوسطية.

وأخشى ما أخشاه أن هذا الإسراف سيلقي بظلاله على علاقة الزوجين، لتكون علاقة موقوتة افتُتِحت بالمظاهر والقشور، وقيدت بالديون التي يدفعها الأب أحيانا ظناً منه أنه سوف يسعد ابنته التي كانت تحتاج إلى نصائح حكيمة وقيمة، ووصايا حنونة من الأب والأم، أكثر من تلك البهرجة الزائفة.

ما أراه في بعض الأعراس الخليجية ورمً خطير يكبر ويتفشى فينا، أخاف أن نكتشفه ونشعر بألمه، بعد أن يفوت الأوان على استئصاله ومعالجة تداعياته.. قال تعالى: «وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين».

كاتبة سعودية

opinion@albayan.ae