دار حديث بيني وبين إحدى الصديقات العزيزات حول مضمون رواية «ترمي بشرر..»، فإذا بصديقتي وبلغة ثائرة على المؤلف وعلى روايته تقول لي: لا يستحق هذا العمل كل هذا الاهتمام، ولا يستحق الوصول إلى البوكر من أصله.
هذا رأيها بالطبع ولكن ما ذنب المصور الفوتوغرافي فيما يلتقطه من صور واقعية منبثقة من الحياة فيما إذا جاءت الصورة بشعة لا تعجب الجمهور، هذا مجمل ما أجبته لصديقتي التي تركتها وهي لازالت غاضبة على ذائقة المؤلف الفنية.
في الواقع سر الخلاف الذي وقع بيني وبين صديقتي حول مضمون الرواية يكمن في أن صديقتي وغيرها اهتموا بالنص الفني الروائي الذي أمامهم في العمل، فشدتهم المفردة البذيئة وتلك العلاقات المشوهة بين أبطال الرواية.
ولكن للأسف لم يلتفتوا إلى القضايا الاجتماعية الخطيرة التي حملتها الرواية بين ثنايا صفحاتها، صحيح أن تلك القضايا لم تكن واضحة للعيان وإنما جاءت مختبئة ما بين السطور تحاول ما بين الفينة والأخرى أن تطل برأسها لتقرع جرس الإنذار، معلنة عن حالة طوارئ لطالما تم السكوت عنها.
لقد جاء عبده خال في نصه الروائي ليقلب الطاولة رأساً على عقب، فنسف أول ما نسفه الصورة النمطية المأخوذة عن المجتمعات الخليجية لدى الآخر، خاصة ان حظها من الوفرة النفطية كان ليس بالقليل، فأصبحت نظرة الآخر مختزلة في صورة الرفاه والغنى.
وقد استند الراوي في هذا النسف إلى إظهار شرائح اجتماعية متفاوتة ومختلفة في مستوى معيشتها، فما بين الفقر المدقع في الحواري المعدمة يكمن النقيض على الضفة الأخرى، وذلك في ضوء استفهامات كبيرة حول الواقع الاقتصادي الغني في المجتمعات الخليجية.
كذلك يطل أنين المرأة كقضية اجتماعية مهمة ما بين ثنايا الصفحات، وعلى الرغم من تعدد النماذج النسائية التي ساقها الراوي، حيث جاءت المرأة في صورة الأم والأخت والحبيبة والزوجة والعمة والخالة، والجدة إلا أن جميع هذه النماذج كانت نماذج فاشلة في حياة الرواية التي امتدت في حوالي 400 صفحة.
ويرجع ذلك إلى طبيعة العلاقات والتقاليد الاجتماعية البالية التي لا تمد إلى الدين الإسلامي ولا الأخلاق بأي صلة تذكر، إلا انها أعراف مجتمعية موروثة بات على الجميع الالتزام بها مهما بلغنا من التطور المادي والصوري الشيء الكثير.
وتبرز قضية الازدواجية والتناقض الصارخ في الحياة ما بين قيم يؤمن بها وما بين الممارسة العلمية لهذه القيم كقضية اجتماعية أخرى لا بد من الوقوف عندها طويلاً، خاصة في مجتمعات وصفت بالمحافظة ولبست ثوب القداسة، وقد صورها الراوي في روايته بنماذج كثيرة إلا أنه ركز على التناقض البشري فيما يتعلق بالأمور الدينية؛ حيث بدت النصوص الدينية مختزلة في النفوس فقط دون إبدائها على الجوارح.
فمن قضايا الفقر والعوز والغنى الفاحش وقضايا المرأة ومدى الظلم والتخلف الذي تعاني منه في كثير من المجتمعات، وصولاً إلى التناقض والازدواجية.
وضياع قنوات الشفافية والمحاسبة، وضبابية العلاقة ما بين الحاكم والمحكوم نصل إلى نتيجة مفادها أن المجتمعات الخليجية والعربية ليست على ما يرام، هذا ما أوصلته لنا رسائل الفن عندما تعطى فرصة للتعبير عن مضامينها، فالرواية فكر ولكن بأدوات فنية، والرواية اليوم تغيرت أدوارها وأصبحت راصدا حقيقيا للتحولات التي تشهدها المجتمعات.
وأنا لم أقصد من العرض السابق أن أقدم قراءة في مضمون الرواية، فهذا لا يهمني أبداً في هذا المقام وإنما أردت أن أبرز تلك القضايا الاجتماعية المهمة التي وردت من خلال ثنايا العمل والتي دائماً ما نغفل عرضها، حتى إن صديقتي التي سبق أن ذكرتها في بداية المقال أغفلت مثل تلك القضايا واهتمت بالرتوش الفنية التي جعلتها أسيرة في رفضها لها.
المجتمعات الخليجية وصلت اليوم إلى مكانة إقليمية مهمة، وذلك بفضل معدلات النمو الاقتصادي السريعة وأصبحت مركز جذب مهم ليس على مستوى المنطقة فحسب، وإنما على مستوى العالم حتى إن كثيرا من المقولات السياسية ترى أن دول الخليج أصبحت اليوم مركزا قياديا في العالم العربي بعد أن كانت أطراف مهمشة في فترة من الفترات، أليست هذه عوامل كافية تأذن برفع الستار الذي طال إسداله على الكثير من القضايا الاجتماعية المهمة.
والتي أصبحت أقرب إلى التابوهات المحرم الاقتراب منها، وذلك لاعتبارات دينية وسياسية واجتماعية اعتبرت ثالوثاً محرماً لفترة طويلة من الزمن في العالم العربي عموماً والخليج خصوصاً.
فمن أراد أن يحقق تنمية في جميع المستويات لا بد له من نبش مثل تلك القضايا بكل عملية وجدية محترمة، وإلا فإن التنمية المحققة سيكتب عليها الاعوجاج. فشكراً للفن على رسائله السامية التي يحاول أن يقرع بها الأبواب الموصدة، وإن كانت بعض تلك الرسائل لن تعجب الكثيرين. تحية إلى صديقتي العزيزة مرة أخرى.
كاتبة إماراتية