منذ فترة وقع بين يديَ كتاب (مع مسيرة المجلس الوطني الاتحادي.. بدولة الإمارات العربية)، لمؤلفه الدكتور السيد محمد إبراهيم حيث شغل منصب مستشاراً للمجلس الوطني الاتحادي لمدة 14 عاماً وقد غطت هذه الفترة السنوات الممتدة منذ عام 1972وحتى عام 1986، في الواقع جاءت قراءتي لهذا الكتاب متزامنة مع قراءة المقالين المنشورين في جريدة البيان عن المجلس الوطني الاتحادي والذي كتبهما كل من الأستاذ الفاضل عبد الغفار حسين والسيد الفاضل عبد العزيز الغرير رئيس المجلس الوطني الاتحادي .
حيث جاءت مقالته بمثابة الرد على ما تناوله الأول في مقاله الذي جاء تحت عنوان (المجلس الوطني هل إليه حاجة؟) وذهب فيه إلى ضرورة دعم المجالس المحلية لكل إمارة على حساب المجلس الوطني الاتحادي الذي بدأت فائدته تتلاشى في الآونة الأخيرة.
اعتقد أن ما ذهب إليه الأستاذ عبد الغفار حسين في مقاله يحمل نظرة تشاؤمية ليست في محلها أبداً، ففي الوقت الذي نحتاج فيه إلى كتابات نقدية إيجابية تعمل على بلورة فكر برلماني رصين يعمل على تطوير المؤسسة البرلمانية المتمثلة في المجلس الوطني ومطالبة الجهات المعنية بضرورة منح المجلس المزيد من الصلاحيات التشريعية.
وفي الوقت الذي نحتاج فيه إلى مراقبة الإصلاحات الجزئية التي منحت للمجلس الوطني الاتحادي في عام 2006 لاستكمال ما ابتدأ به من خطوات إيجابية في هذا المجال نصطدم بوجود مثل هذه الكتابات.
فالحلول عادة لا تكون بمثابة نسف وتحطيم لواقع موجود وليس مجرد واقع عادي وإنما واقع ضروري متمثل في أحد أركان النظام الاتحادي حيث لا تستقيم مؤسسات الدولة الاتحادية دون وجوده.
وما جاء به الأستاذ عبد الغفار حسين ليس أمراً مرفوضاً فالعمل البرلماني على المستوى المحلي مهم ولكن الأهم في الفترة الحالية هو تعزيز دور مؤسسة اتحادية موجودة وقائمة كان من المفترض أن تكون قوة للاتحاد لا قتلها في سبيل التوجه نحو المحلي.
دعوني أرجع لاستكمال ما بدأت به وهو قراءتي للكتاب المذكور سابقاً لقد تفاجأت بالفعل بما قرأت وبما وقعت عينيّ عليه من أسطر كتبها المستشار السيد إبراهيم مشكوراً من خلال معايشته عن قرب لمعظم أحداث ووقائع وجلسات المجلس الوطني في فترة السبعينيات والنصف الأول من الثمانينيات.
ويكمن عنصر المفاجأة - بالنسبة لي على الأقل لأننا لم نعي أحداث تلك الفترة وذلك لحداثة سننا في ذلك الوقت- في طبيعة المجلس الوطني وحيوية أدائه في تلك الفترة رغم محدودية الصلاحيات التشريعية الممنوحة له ورغم كذلك حداثة التجربة حيث عقدت أول جلسة برلمانية في تاريخ الإمارات عام 1972، فأعضاؤه كانوا يتحدثون بلغة برلمانية يخيّل لك .
وأنت تقرأها لأول مرة بعمق التجربة الديمقراطية والبرلمانية في دولة الإمارات لا بحداثة هذه التجربة، كما كانوا يتحدثون بلغة صريحة وقوية وشفافة في الوقت نفسه، فكان لموضوعات مهمة مثل (تعديل الدستور وضرورة تحويله إلى دستور دائم، وضرورة توحيد القوات المسلحة.
وتوحيد القضاء، وتقوية المؤسسات الاتحادية، والاهتمام الكبير بالمواطن وضرورة التخطيط السليم وغيرها الكثير من الموضوعات الجريئة والحيوية التي تصب جميعها في خدمة وتقوية الاتحاد ومؤسساته على حساب المحليات المكونة له، مما كان له أكبر الأثر على بلورة الاتحاد الفيدرالي وتحديد ملامحه والمساهمة في خلق كيان اتحادي ظل صامداً في السنوات الأولى على الأقل من عمره رغم التحديات الكبيرة التي كانت تحيط به.
ومن يرجع إلى القراءات التاريخية المعاصرة لتاريخ الاتحاد وخاصة الاتحاد التساعي الذي بدأت جلساته منذ عام 1968 وانتهى عام 1971.
وذلك بعد أن أعلنت كل من قطر والبحرين استقلالهما وقام اتحاد الإمارات المكونة من السبع امارات يلاحظ من خلال قراءة جداول أعمال الجلسات مدى أهمية موضوع المجلس الوطني حيث كان أحد أهم المحاور الرئيسية التي دار حولها نقاش وجدل كبير حول عدد المقاعد المخصصة لكل إمارة وحول كذلك الصلاحيات الممنوحة له.
وكان بالتالي إحدى العقبات الدستورية التي لم يستطع الاتفاق عليها جميع الأعضاء بالإضافة إلى موضوعات أخرى مما أدى ظهور كل من البحرين وقطر.
ما أردت أن أذهب إليه في هذه المقالة أهمية الزخم التاريخي الكبير للمجلس الوطني الاتحادي. يبدو أن ذلك الواقع الذي عايشه الأستاذ عبد الغفار حسين ومقارنته بالواقع الحالي لحال المجلس الوطني هو الذي جعله يأخذ مثل هذا التوجه؛ وقراءتنا نحن أيضاً لذلك الواقع الذي كان عليه المجلس الوطني ومشاهدتنا لواقعه اليوم يجعلنا ندرك لماذا هذا الشعور السلبي لدى الأستاذ عبد الغفار وغيره الكثير عن المجلس الوطني.
ولكن هذا لا يعني الحديث عن عدم أهمية المجلس في الوقت الحالي فعلى العكس تماماً التحديات في الوقت الحالي أصبحت أكبر والمطالب أصبحت ضرورة لا تحتمل التأجيل، والمحليات بدأت تطغى على الاتحاد.
والتجارب البرلمانية المجاورة تسير في خطى سريعة نحو التمكين، والإصلاحات التي بدأت عام 2006 بحاجة إلى المزيد فمن أجل هذا وذلك لا بد من دفع العمل البرلماني إلى الأمام وتلك مسؤولية مشتركة.
لازالت تلك الصورة الفوتوغرافية التي يظهر فيها مؤسس الدولة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ رحمه الله ـ وإخوانه أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات في أول افتتاح لجلسات المجلس الوطني الاتحادي عام 1972 .
ومن خلفهم تبدو الصورة المشرقة التي تحمل الآية القرآنية الكريمة «وأمرهم شورى بينهم» إنما تؤكد على قيمة وأهمية هذه المؤسسة العريقة التي يمتد عمرها إلى ما قبل قيام الاتحاد بشكل رسمي عام 1971، والتي لا يمكن أن تستقيم الدولة الاتحادية بدونها.
كاتبة إماراتية
