قال لي أحد الأصدقاء معاتباً: لماذا لا تشترك في الانتخابات العراقية، هل أنت رجل غير ديمقراطي؟ فقلت له: كيف لي أن أتعرّف على برامج 6 آلاف مرشح؟
فقال لي: يمكنك أن تطلع على الملصقات وتتعرف عليهم.
في الواقع، لم يكن العراقيون يعرفون ما هي الملصقات سواء كانت سياسية أو تجارية أو دعائية، فيما عدا اللافتات السوداء التي تُقام لعزاء قتلى الحروب والاحتلال. لكن سكان بغداد والمدن العراقية استيقظوا فجأة على كم هائل من الملصقات واللافتات تملأ الشوارع والتقاطعات والساحات والحواجز الأسمنتية التي لم ترفع منها ملصقات الانتخابات الماضية.
أعلم أن المرشحين يسعون إلى إقناع حوالي 18 مليون عراقي يحق لهم التصويت من بين قرابة الـ 32 مليونا إلى الاقتراع لصالحهم في يوم السابع من الشهر المقبل لاختيار 325 مرشحا، بمقاعد البرلمان القادم أي بزيادة 50 مقعدا عن البرلمان السابق الذي كان يضم 275 مقعدا.
لكنني أجد نفسي ضائعاً بين مئات آلاف الملصقات التي أراها على شاشات الفضائيات العراقية. فقد تزاحمت هذه الملصقات ووزعت بشكل عشوائي، فغطت على جدران المباني والمؤسسات والمنازل وأعمدة الكهرباء وزاحمت لافتات الأطباء والصيدليات بل حتى إن بعضهم استخدم علامات المرور وغيرها!
المطر والمتجاوزون أتلفوا الكثير من هذه الملصقات أما بتمزيقها أو تشويه شعارات مرشحيها مما أدى بهم إلى نشر دعايتهم الانتخابية على ألواح من سبائك وإطارات الألمنيوم!
ولم تقتصر هذه الحملة الانتخابية على الملصقات فقط بل دخلت وسائل أخرى على الخط، منها الهواتف النقالة، حيث وزع بعض المرشحين أموالا على أنصارهم لتحمل نفقات إرسال الرسائل النصية «إس.إم.إس» التي تمجد قوائمهم أو بالعكس. وشاعت رسائل تقول «اقرأ الصفحة 555 في القرآن الكريم، إنها تحمل سورة المنافقون»، بينما رسائل مشابهة دعت إلى قراءة الصفحة 511، التي تحمل سورة الفتح التي تبدأ بـ «إنا فتحنا لك فتحا مبينا». وهذه الأرقام في حقيقة الأمر توحي بقوائم المرشحين! طريقة ذكية أوردها أحد زملائي الصحافيين.
وفي مواجهة هذه الملصقات هناك ما يمكن أن نطلق عليه الملصقات المضادة أي تلك التي تفضح المرشحين، فمثلاً نشاهد صورة النسر وهي رمز الجمهورية العراقية، وقد كُتب على صدره «الله يستر وتحته جمهورية الفرهود» والمرشح في ملابس الكاوبوي.. والملصق الآخر على شكل ملصق سينمائي «بطولة نوري المالكي مع جميلة الشاشة مريم الريس: حب وصراع على السلطة ـ فيلم العلوية والحجي». وملصق آخر على شكل تحذير: «وحش بشري إيراني مفترس تنكر بهيئة إنسان ودخل العراق».
وآخر عن أحمد الجلبي كُتب عليه «الجلبي الاستشارات الإجرامية المهندس الأول لدمار العراق: اختصاصنا: التفجيع، الاغتيالات، الفرهود والطائفية».
وملصق آخر يصور إبراهيم الجعفري على شكل وحش قاتل: «فيلم رعب الجعفري .. بطل أحداث سامراء».
جميع هذه الملصقات تبعث على الحزن والكآبة، ولم يتوفر سوى ملصق واحد يثير الفكاهة في مدينة كركوك أدى إلى ارتفاع في معدل حوادث بسبب صورة لمرشحة جميلة تشتت انتباه السائقين أثناء السير.
المرشحون جميعاً يقفون صفاً واحدا: الفاسد والمدعي للنزاهة، ويعلنون عن برامجهم.
سألت صديقي: هل حقق المرشحون شيئاً من برامجهم الوهمية خلال السنوات الأربع الماضية؟
أجابني بحكمة: الواقع العراقي هو الذي يجيب على سؤالك ولست أنا.
فقلت له: أنت ديمقراطي حقاً.
